... وقال الليث: الصميل: السقاء اليابس. والصامل الخلق. وأنشد:
إذا ذاد عن ماء الفرات فلن ترى [][][] أخا قربةٍ يسقي أخاً بصميل
ويقال: صَمَل بدنُه وبطنه، وأصمله الصيام: أي أيبسه.
ولم يُضِفْ الصاحب في المحيط شيئاً ذا قيمة.
ولكن ابن سيده يشير إلى ما ساقه الأزهري بإيراده مؤداه ويزيد: وصمَل السقاء والشجر صملاً، فهو صميل وصامل: يبس. قال السلولي(1):
ترى جازريه يرعدان وناره [][][] عليها عداميل الهشيم وصامله.
ومن دلالات
"صَمَلَ" الضرب، فربما تعود المفردة في معناها إليه في لغة قوم أو أقوام من العرب حيث أشارت المعاجم إلى ما ينبي عن هذا المؤدى المشترك.
ويجري الفيروز آبادي على ما جرى عليه سابقوه في المعنى فلم يزد عليهم شيئاً ذا بال.
والناس اليوم يسمون الصميل للسقاء الطري الذي يمخض به اللبن، ولا يستعملونه لليابس ألبتة. يقول جدي صالح بن محمد بن عوض رحمه الله مشيراً إلى والدته التي نأى عنها مع شقيقه التوأم حمد طلباً للعيش الكريم:
من اولٍ تمخض وتدهن مشقنا [][][] واليوم عيا لا يزبِّد سقانا
تمخض: أي تخض الحليب ليصبح لبناً فيستخرج منه الزبد، ومشقنا: المَشَق التشققات التي تطال ظاهر القدمين من شدة البرد في الشتاء.(وفيها شيء من الفصاحة).
ومجمع اللغة العربية في القاهرة، الذي ناء بإصدار معاجم عظيمة خدمت اللغة وواكبت المسيرة اللغوية بجهد لا ينكر، تناول الكلمة في الوجيز والوسيط ونقل بعض ما قاله الأزهري وابن سيده. وزاد: وصمل للعمل وفيه: صبر لمشقته واستمر فيه. ثم أضاف بعد هذه العبارة كلمة (محدثة) ما يعني أنه أجاز الاصطلاح العامي الجديد وسوغ نقل الكلمة بمعناها إلى الثبات وعدم التخاذل، ولكني أرى أنه ليس استحداثاً فالاستخدام المجازي لأي كلمة وارد على مر العصور, ونراه مستساغاً لدى الشعراء ويهتبله النقاد ابتداعاً وإبداعاً بلا تثريب على الشاعر حينما يستعير أو يأتي بمجاز! فلنا أن نقول إن العامة أبقو الكلمة على أصلها الدلالي وتوسعوا فيها مجازاً فجعلوا الصمْلة لكل ما ورد في كلامهم سواء كان إنساناً أم جماداً أم حيواناً وفيه سعة. كما أنه يقول: صبر لمشقته ولعل الصواب صبر على مشقته فصبر يتعدى بعلى لا اللام.
ومجمع اللغة العربية في القاهرة وظف الجذر ودلالته ليؤسس منه أصلاً لغوياً جديداً مستحدثاً يدخل تحته لفظة جديدة ذات معنى تقني حديث وهي كلمة"صَمُولَة" فقال حولها: "الصمولة" قطعة من الحديد مستديرة أو ذات أضلاع، جوفها مسنن في شكل حلزوني، تثبت في طرف مسمار مسنن مثلها لإحكام تثبيته.(محدثة). وكان حقه أن يقول "منقولة".
وبعض المحققين لا يراها محورة في دلالتها، ولا يرى العوام نحوا بها منحى مستحدثاً في وضعها الأصيل، فالشيخ محمد بن ناصر العبودي قال عنها في كتابه الأمثال العامية في نجد:"الصامل من الحطب هو الجزل اليابس. أي النافع لإيقاد النار القوية. فنقلته العامة للشيء النافع من بين الأشياء الكثيرة التي لا نفع فيها".
والكلمة متناغمة مع الشاعرية العربية إلى حد بعيد، الأمر الذي جعل الأصلاء من منمقي الكلام حتى في الأجيال الحالية التي ورثت عزة الكلمة مثلما ورثت كرامتها، فهي ترى عزها في انتقاء كلامها وترى مروءتها في حديثها وما يروى عنها في المجالس. لذلك وجدنا تنوع الاستخدام والتوسع فيه لديهم جميلاً وثرياً، فكثرت في أمثالهم وحكمهم وأشعارهم لذلك قال الشاعر الفارس راكان بن حثلين:
ما قل دل وزبدة الهرج نيشان [][][] والهرج يكفي صامله عن كثيره
وترددت كثيراً في أمثالهم الشعبية الدارجة فقالوا في الأشياء النادرة التي يعز وفورها وتكون من المتعذر الحصول عليه أحياناً "الصامل قليل".
كما جاءت للهزء والسخرية لمن يكثر كلامه وسقطه في المجالس، ولكن المفيد منه والصادق يكاد يعدم فقالوا: "الهرج واجد والصامل قليل" أي أن من يهذي ويكثر الكلام قد لا يكون ذا عزيمة صادقة وهمة عالية بما يتفق مع كلامه الذي لا يكف.
ويقابل المثل العامي هنا ما تقوله العرب
"أسمع جعجعة ولا أرى طِحْناً".
وفي كتاب فصيح العامي في شمال نجد تطرق مؤلفه الأستاذ عبد الرحمن بن زيد السويداء لهذه الكلمة بكلام مجمل استقرأه من المعاجم اختزالاً عاماً مورداً بيت زينب بنت الطثرية.
ويختم قوله عنها بعرض جيد حول بعض الأساليب واستخدامها في الدلالة العصرية للكلمة فيقول:"…رجل صامل: أي ناضج ومشتد يدرك ما له وما عليه يحافظ على ماله. وحطب صامل: صلب مشتد. وشربت من صميل اللبن. وهذا الرجل لا "صملة" بيده: أي ليس معه المال الكافي. وهذا العلم الصامل: أي الخبر الصادق. ورجل ما بيده صمايل: أي لا يوجد بيده شيء. والكلام الصِّمِلِي: أي الصحيح الذي لا شك فيه".
صالح بن إبراهيم العوض
الرس.السبت.3/1/1434هـ.