مجمع اللغة العربية وفرصة التثقيف اللغوي
إبراهيم السواعير
أمام مجمع اللغة العربية الأردني فرصة ذهبيّة في أن يستثمر وسائل التواصل الاجتماعي(الفيس بوك)، في طرح قضايا لغويّة تحتاح تصويبًا وتستخدم في المراسلات والكتابات، وتحديدًا المجالات الإعلاميّة، بل ويمكنه أن يتغلل أكثر في حياة الناس كجزء من التثقيف اللغوي في النحو والصرف وما أجازته المجامع العربيّة وأقرّه تيسيرًا على الناس وحفظًا للغة العربية من استثقالها أو الانقطاع عنها.
يأتي ذلك، ولدينا تجارب عربيّة لافتة في هذا المجال، الأولى تجربة انشغل بها المتابعون كثيرًا ووصل عدد المتابعين إلى ما يؤكّد أنّها فكرة طيّبة اشتغلت عليها فضائيّات وأتاحت اللغة للنخبة والمثقفين ولكلّ شرائح المجتمعات العربيّة، في أن يألفوا لغتهم ويعيشون أجواء سرد أحداث تاريخيّة وأدبيّة بها، وهي تجربة صانع المحتوى الشاب الموريتاني محمد لغظف ولد أحمد الذي سار المتابعون مع سجيّته اللغوية وحسن تعبيره وسرعة عملياته الذهنية في النطق باللغة، حتى لقد توسّع بانتقاد أعمال تلفزيونية تاريخيّة من منظوره اللغوي وثقافته ليكون من المدونين المؤثرين، بل ومن مصححي أخطاء إذاعيّة عديدة.
التجربة الثانية هي في سلسلة الحلقات التي يبثها مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة ويذيعها الدكتور خالد عاشور مذيع الأخبار بالتلفزيون المصري، تحت عنوان "لغة الإعلام في الميزان"، وقد لاقى نجاحًا في ذلك لسهولة توصيل المعلومة والإفادة اللغوية ولقصر الومضة اللغوية قيد الإفادة، فضلًا عن لغته السليمة وبراعته في الحديث بها، وميزة هذه الحلقات من سلسلة المقاطع القصيرة أنّها تصحح أخطاءً يمكن تداركها في الإعلام العربي بعد أن اشتهرت على خطئها، مع ميل الدكتور عاشور إلى التيسير على الناس والمتحدثين والإعلاميين، كما في تناوب حروف الجرّ والصيغ المستخدمة في عالم الصحافة والإعلام، والرائع أن شواهده من القرآن الكريم والشعر العربي تجد قبولًا، بما لا يجاوز الدقيقة والنصف، ليلتقطها متصفحو "الفيس بوك" ويعملوا بها، أو يقوموا بنقاشه في تعليقاتهم وشروحاتهم على موضوع الإفادة اللغوية.
اللغة العربيّة اليوم مؤهلة بقوّة لأن تدخل وسائل التواصل باستثمارات ذكيّة، وجمال النطق بها في المحطات التلفزيونية والبرامج الإذاعيّة يعيد لها ألقها، وقد شاع في فترة قريبة أن يقوم متطوعون من الأكاديميين والأكاديميّات بالإفادة وشرح الاختلافات في الأفعال وأبوابها ومعانيها واستعادة عصور العربية الزاهرة في التعريف بأعلام الأدب والسياسة والفكر والاقتصاد وغير ذلك من المجالات.
لكن، وللإنصاف، أصدر مجمع اللغة العربية الأردني، وتحديدًا في موضوع الإعلام كتابًا قيّمًا بعنوان"صورة اللغة العربية في الإعلام"، انطلاقًا من عدم تصنيم اللغة والتخويف بها أو الاستعلاء بإتقانها، بل إنّ المعجم التاريخي للغة العربية بالشارقة الذي يصدر تباعًا بالتعاون مع اتحاد مجامع اللغة العربية، يؤكّد بمؤلفاته العديدة على حروف اللغة العربيّة في الألفاظ والجذور وأوجه الاشتقاق والاستعمال، بإشراف من حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي،.. أنّ اللغة العربية متاحة للجميع ويجب أن تظلّ تنمو لتواكب التطورات، أمّا التعريب فقضيّة ذات أبعاد عديدة ليس هنا مناقشتها، إذ يكفي أن يحسّ الناس أن مجامع اللغة تدخل في صميم أعمالهم وتوجّههم وتؤلف قلوبهم على الفصيح من الكلام في الكتابة واللقاءات والحديث والمناسبات.
وقد احتفلنا من مدّة باليوم العالمي للغة العربية، وكان أغلب الاحتفالات بهذا اليوم بين ندب حال اللغة وتعداد فضائلها وترديد قصيدة حافظ إبراهيم المشهورة، دون أن نلمس نقاشًا يصاحبه قرار مؤثّر في هذا الموضوع.
ويقوم مجمع اللغة العربية الأردني ببث برامج ثقافية وصباحية يستضيف على الهاتف فيها شخصيات للحديث عن مواضيع الساعة الإعلاميّة، في الفكر والثقافة واللغة والعلوم الاجتماعية والإنسانية وما إلى ذلك، ويقوم أيضًا بطرح مسابقات وموسم سنوي يشترك فيه علماء ولغويون وأكاديميون، واهتمت مسابقاته في حقول الفنون والآداب والإعلام بترويج فكرة الحفاظ على اللغة وجعل الناس تنظر للمجمع صديقًا ومرجعًا في ما يسألون عنه ويطلبون فيه الرأي.
وإذا كان العالم اليوم قد أدمن على "السوشيال ميديا"، فإنّ فكرة الإفادات السريعة والالتقاطات أو الإضاءات في قضايا اللغة يمكن أن تصل الآلاف من المتابعين، إن نحن استنفرنا جهودنا وعلماءنا ولغويينا لخدمة هذه اللغة الشريفة التي بها نعتزّ ونفتخر.
الرأي