بسم الله الرحمن الرحيم
حروف النَسَبْ اللغوي في كلام العرب
الجسم / العظم / اللحم / الشحم / الدم .
www.fiqhalhuroof.com
تعريف فونيــم النَسَبْ في لغة العرب هو : صوت الدلالة الذي يمتد على طول الفصيل اللغـوي كمـــا يمتـــد الجين Genes في عرق النسب ، فإن لم يكـــــن لـه نسب و لا دلالـــة فهو حرف بناء كبقية الحروف في الكلمــــــة المنفردة ، وقد تحمل الكلمـــة احيانـــاً أكثر من فونيم وذلك لشيوع النسب اللغوي في فصائل مختلفـة من أجل العلاقــــــــــة الوراثية التي تسري بين الألفـــــــاظ ، بمعنى آخر فإن الفونيم مســـؤول عــن تعقـــب النسب اللغوي بين الفصائــــل وملازمة الألفاظ حتى بعد رحيلها إلى لغات اُخرى .
دليلنا في هذا الباب آية من القرءان العظيم و فصل من أحاديث ابن جنى في كتابه الخصائص ، باب اختلاف لغات العرب وكلها حجة
يقول الله سبحانه وتعالى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
قال ابن جني : اعلم أن سعة القياس تبيح لهم ذلك ولا تحظره عليهم ألا ترى أن لغة التميميين في ترك إعمال ما يقبلها القياس ولغة الحجازيين في إعمالها كذلك لأن لكل واحد مــن القومين ضرباً من القياس يؤخذ به ويخلد إلى مثله. وليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها لأنهـــــا ليست أحق بذلك من رسيلتها. لكن غاية ما لك في ذلك أن تتخير إحداهما فتقويها على أختهـــا وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها وأشد أنسابها. فأما رد إحداهما بالأخرى فلا. أولا تــرى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نزل القرآن بسبع لغات كلها كاف شاف ). هذا حكـم اللغتين إذا كانتا في الاستعمال والقياس متدانيتين متراسلتين أو كالمتراسلتين. فأما أن تقل إحداهمـــــا جدا وتكثر الأخرى جدا فإنك تأخذ بأوسعهما رواية وأقواهما قياسا ألا تراك لا تقول: مررت بك ولا المال لك قياساً على قول قضاعة: المال لِه ومررت بَه ولا تقــــول أكرمتكش ولا أكرمتكس قياساً على لغة من قال: مررت بكش وعجبت منكس. حدثنا أبو بكر محمــد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال: ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميـم وكشكشة ربيعة وكسكسة هوازن وتضجع قيس وعجرفية ضبة وتلتلة بهراء. فأما عنعنة تميم فـإن تميماً تقول في موضع أن: عن تقول: عن عبد الله قائم وأنشد ذو الرمة عبد الملك : أعن ترسمت مــــــــن خرقاء منزلة قال الأصمعي: سمعت ابن هرمــــــــة ينشد هارون الرشيد: أعن تغنت على ساق مطوقة ورقاء تدعو هديلا فوق أعواد وأما تلتلة بهراء فإنهم يقولون: تِعلمون وتِفعلـــــــــــون وتِصنعون بكسر أوائل الحروف. وأما كشكشة ربيعة فإنما يريد قولها مع كاف ضمير المؤنث: إنكش ورأيتكش وأعطيتكش تفعل هذا في الوقف فإذا وصلت أسقطت الشين. وأمـــــــا كسكسة هوازن فقولهم أيضاً: أعطيتكس ومنكس وعنكس. وهذا في الوقف دون الوصل. فإذا كــــــــان الأمر في اللغة المعول عليها هكذا وعلى هذا فيجب أن يقل استعمالها وأن يتخير مـــا هو أقوى وأشيع منها إلا أن إنسانا لو استعملها لم يكن مخطئا لكلام العرب لكنه كان يكون مخطئـاً لأجود اللغتين. فأما إن احتاج إلى ذلك في شعر أو سجع فإنه مقبول منه غير منعي عليه. وكـــذلك إن قال: يقول علي قياس من لغته كذا كذا ويقول على مذهب من قال كذا كذا. وكيـــــــــف تصرفت الحال فالناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ وإن كان غير ما جاء بــــــه خيراً منه .
في ضوء هذا النص نلمس أن ابن جني رحمه الله ، نقل لنا اللهجات التي تفرعت بين قبائــل العرب ، إلا أنه ذَكرَ أنها لغات ، ولعل سبب هذه التسميـة يعــــود إلى شبـــه استقلال أوبدايـة انحراف للخارطة الصوتيه أو النظام الصوتي عند القبائل حسب ما قـدر، وإن كانت القاعدة العامـــة التي تنبعث منهـــــا الأصوات مازالت في قوالب عربية تنجذب بها إلى قريش ، حيث قــال: قريش ارتفعت بالفصاحــة عن تلك القبائل ، وهنا نأتي بدليل القرءان ، الآيـة :
أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
*****
فونيم النَسَبْ
حرف الميم في فصيل الجسم
الجسم / العظم / اللحم / الشحم / الدم .
في هذا الفصيل المتصل بين الأسماء حرف الميم هو فونيم النسب ، فقد جـــــــــاء أساس ونواة في بناء الألفاظ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
يقول صاحب لسان العرب : الحساب والحسابة : عدك الشيء، وحسب الشيء يحسبه
السماء ، والشمس ، والقمر ، والنجم
السماء = 4180
الشمس = 2188
القمــــر = 2180
النـجـــم = 2090
الوزن اللغوي جاء من جدول فقه الحروف
الماء ، و الظمأ ، و المزن ، والمطر .
يتضح من هذا التحليل أن تركيبة الاسم عند ءادم عليه الســـــلام ، يبدأ بال التعريف ، في أول القـــــالب الفظي ، ثم بفونيم النسب حر طليق داخل الكلمة يحل حيث يشاء ، يحيط نفسه برقائق من الحـــــروف ، وقـــد شاهدناه من خلال الأمثلة أن الفونيم يجيء في صدرة الكلمة تارة و تارة في وسطها ثم في قافيـــة الاسم عند اللزوم ، ومردُ ذلك يعود إلى القياس والخارطة الصوتيه أو النظام الصوتي في ، وقـــــــد سبق أن أشارنا في غير موطن أن الخارطة الصوتيه للحيوان تتسم بالجمود ابداً ، وخارطة اللســــــان البشري حرة المسار إلى ما لا نهاية مصداقاً لقول الله تعالى .
" وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ " (الروم:22)
: كمايلي
أل التعريف + فونيم النسب + رقائق من الحروف بحساب لغوي للأصوات
صدر الكلمة ( أل ) التعريف + فونيم النسب أو نواة الكلمة + رقائق
الحروف أو الحروف المساعدة بحساب الوزن اللغوي للحروف كي تنسجم الكلمة داخل
الفصيل كمايلي :
أ ل س م اء = السماء ( الحساب اللغوي )
أل ش م س = الشمس ( الحساب اللغوي )
أل ق م ر = القمر ( الحساب اللغوي )
أل ن ج م = النجم ( الحساب اللغوي )
ما زلنا نسعى خلف فونيم النسب
ءادم ، امرؤ ، امرأة
ملاحظة : امرؤ ، ترسم في مصحف المدينة ومصحف قطر هكذا ( امرؤا ) بزيادة ألف صامته
قال الله سبحانه تعالى
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ ( امْرُؤٌا ) هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُـــــــوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿١٧٦﴾سورة النساء
امرؤ = 3000 ( الواو والهمزة حرفان بمقاس 300 + 1000) فإن حسبنا الألف الصامته يصبح 4000
امرأة = 2270
*****
تذكير سريع بحروف فواتح السور
• الــــم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين \\ سورة البقـــــــرة
• الــــم الله لا إله إلا هو الحي القيوم \\ سورة آل عمـران
• الــــم احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا \\ سورة العنكبــوت
• الــــم غلبت الروم في أدنى الأرض \\ سورة الـــــــروم
• الــــم تنزيل الكتاب لا ريب فيـــــــه \\ سورة السجـــــده
• الــــر تلك ءايات الكتاب الحكيـــــــم \\ سورة يونــــــس
• الــــر كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت \\ سورة هــــــــــود
• الــــر كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من \\ سورة ابراهيـــــم
• الــــر تلك ءايات الكتاب المبين \\ سورة يوســف
• الــــر تلك ءايات الكتاب وقــــــرءان مبين \\ سورة الحـــجــر
• الــــر تلك ءايات الكتاب الحكيم \\ سورة لقمــــــان
*****
لكن ماذا يقول المحدثون من علماء العربية عندنا ، فلنستمع إلى رأي عميد الأب العـــربي الدكتور 'طه حسين' يقول في كتابه : - في الأدب الجاهلي - أما إن
هذه اللغة العربية الفصحى التي نجدها في القرآن والحديث وما وصل إلينا من النصـــوص المعاصرة للنبي وأصحابه لغة قريش، فما نرى أنه يحتمل شكاً أو جدلاّ ؛ فقد أجمع العــرب على ذلك بعد الإسلام، واتفقت كلمة علمائهم ورواتهم ومحدثيهم ومفسريهم على أن القرآن نزل بلغة قريش، أو قل على إن هذا الحرف الذي بقي لنا من الأحرف السبعة إنمـــا هـــــو حرف قريش. وقد يكون من التكلف والتحذلق أن يُجمع ، العرب كافـــة على أن لغة القرآن هي لغة قريش. وألاّ يظهر في العصر الإسلامي الأول ولا في أيام بني امية ولا في أيــــــام بني العباس من ينكر هذا أو يجادل فيه رغم ما كان من الشعوبية الأعجمية ومن الشعوبية الحميرية ومن الخصومات السياسية بين قريش وغيرها من قبائل مضر، ثم يزعم زاعم أن هذه اللغة ليست لغة قريش، وإنما هي لغة قبيلة أخرى مهما تكن هذه القبيلة'. ثـــم يمضي قائلاَ : 'فنحن مضطرون. أمام هذا الاجماع من جهة، وأمام قرشية النبي من جهــة اخرى، وأمام نزول القرآن في قريش من جهة ثالثة،وأمام فهم قريش للفظ القرآن في غير مشقــة ولا عنف من جهة رابعة، وامام اتفاق القرآن في اللغة واللهجة مع ما صــــــــح من حديث النبي القرشي ومن الرواية عن اصحابه القرشيين من جهة خامسة، إلى أن نسلم بأن لغــة القرآن انما هي لغة قريش.
ستقول: ولكن هذه اللغة قد كانت تفهم في غير قريش من قبائل الحجاز ونجد، ومن هـــــذه القبائل المضري كقيس وتميم، ومنها اليمني كخزاعة والأوس، والخزرج، بل منها قبائل لم تكن عربية بوجه من الوجوه وهي هذه اليهودية التي كانت تقطن شمال الحجاز، ولكنــــــك تعرف رأينا في النسب وفي انتماء هذه القبائل إلى اليمن أو الى مضر. ومع هذا فقد قلنــــا إن لغة قريش سادت قبيل الإسلام. ونحن إن فكرنا عرفنا إن سيادة اللغات انما تتصل عادة بالسيادة و السياسة والاقتصادية. فلنبحث عن البيئات الممتازة من الوجهة السياسيــــــــــة والاقتصادية في شمال البلاد العربية قبيل الإسلام.
الحق اننا لا نستطيع أن نفكر في هذه السيادة الفارسية في الحيرة أو هذه السياسة الرومية في أطراف الشام، فقد كانت هناك أسر عربية تمثل هذه السيادة،وكانت لهذه الأسـر ضروب من السلطان، ولكن هذه الأسر لم تكن فيما يظهر حجازية، ولم تكن بيئاتها بيئات عربيـــــة خالصة، انما كانت بيئات مختلطة أقرب إلى الأعجمية منها إلى أي شيء آخــر. فلم تبق إلا بيئات أربع: بيئة كندية في نجد، ولكن هذه البيئة كانت يمنية إن صح مــــــــــا زعم الرواة والمؤرخون. وسيادتهم لم تطل ولم يكن لها من الضخامة ما يمكنها من أن تسلط سلطانها السياسي والاقتصادي والديني على شمال البلاد العربية. وبيئة أخرى قرشية في مكة، كان لها سلطان سياسي حقيقي، ولكنه قوي في مكة وما حولها، وهذا السلطان السياسي كـــان يعتز بسلطان اقتصادي عظيم، فقد كان مقدار عظيم جــــداً من التجارة في يد قريش، وكان هذا السلطان يعتز بسلطان ديني قوي مصدره الكعبة التي كان يحج إليها اهل الحجاز وغير أهل الحجاز من عرب الشمال. فقد اجتمع لقريش اذن سلطان سياسي واقتصادي ودينــــي. وأخلق بمن تجتمع له هذه السلطات أن يفرض لغته على من حوله من أهل البادية. وبيئـة ثالثة هي بيئة الطائف، كان لها شيء من السلطان الاقتصادي ولكنها لم تكن تداني البيئــة المكية. وبيئة رابعة في شمالى الحجاز، هذه هي البيئة العربية في يثرب وما حولها. ولكنـا نظن إن أحداً لا يفكر في أن يقول إن هذه العربية الفصحى كانت لغة هؤلاء الناس مـــــــن اليهود أو من الأوس والخزرج فضلاّ عن أن هذه البيئة على ثروتها وقوتها لم تكن تداني قريشاً فيما كان لها من سلطان.
لغة قريش إذن هي هذه اللغة العربية الفصحى، فرضت على قبائل الحجاز فرضا لا يعتمـــد على السيف وإنما يعتمد على المنفعة وتبادل الحاجات الدينية والسياسية والاقتصاديــــــــة. وكانت هذه الأسواق التي يشار إليها في كتب الأدب، كما كان الحج، وسيلة من وســـــــائل السيادة للغة قريش'.
وبعد أن انتهى 'الدكتور طه حسين' من إصدار قراره، قال: 'ولكن ما أصل لغــــة قريش ? وكيف نشأت ? وكيف تطورت في لفظها ومادتها وآدابها حتى انتهت إلى هذا الشكــل الذي نراه في القرآن ?'. وكان جوابه على هذه الأسئلة قوله: 'كل هذه مسائــــــــل لا سبيل الى الإجابة عليها الآن، فنحن لا نعرف أكثر من أن هذه اللغة لغة سامية تتصل بهذه اللغــــــات الكثيرة التي كانت شائعة في هذا القسم من آسيا. ونحن نكاد نيأس من الوصول في يـــــوم من الايام إلى تأريخ علمي محقق لهذه اللغة قبل ظهور الإسلام. وكيف والقرآن أقـــدم نص صحيح وصل الينا في هذه اللغة، ونحن نرى اللغـــــة فيه كاملـــــة متقنة تامـــة التكوين قد تجاوزت الوجود الطبي إلى هذا الوجود الفني الراقي الذي يظهر في الآداب'.
وخلاصة رأي 'الدكتور طه حسين' أن عربية قريش هذه، التي نزل بها القرآن الكريم، إنما سادت قبيل الإسلام، ولم تكن سيادتها تتجاوز الحجاز. إذ يقول : فالمسألــــــة إذن هي أن نعلم: أسادت لغة قريش ولهجتها في البلاد العربية وأخضعت العرب لسلطانهــــــا في الشعر والنثر قبل الإسلام أم بعده ? أما نحن فنتوسط ونقول: انها سادت قبل الإسلام حين عظــــم شأن قريش وحين اخذت مكة تستحيل إلى وحدة سياسية مستقلة مقاومة للسياسة الأجنبيـة التي كانت تتسلط على أطراف البلاد العربية. ولكن سيادة لغة قريش قبيل الإسلام لم تكــــن شيئاً يذكر ولم تكد تتجاوز الحجاز. فلما جاء الإسلام عمت هذه السيادة وسار سلطان اللغة واللهجة مع السلطان الديني والسياسي جنبا إلى جنب .
وهنا رأي ابن حزم الأندلسي ( 456هـ ) الذي اكتشف القرابة اللغوية الموجــودة بين كل من العربية و العبريــــــة و السريانية ، يقول في كتابه "الإحكام في أصـــــــــول الأحكام " ( الذي وقفنا عليه و علمناه يقينا أن أن السريانيــة و العبرانية و العربية ...لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها ، فحـدث فيها جرش (الجَرْشُ : من جَرَشَ، يَجْرُشُ وهو الصوت الذي يحصل من أكل الشيء الخشن ، وهو هنا كناية عن صعوبة نطـق بعض الأصوات .لسان العرب : باب الجيم ، مادة جرش ، ج 1 /599) كالذي يحــدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان ، ومن القيرواني إذا رام نغمــة الأندلسي ... وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتهـــــا تبدلا لا يخفى على من تأمله... فمن تدبر العربية و العبرانية و السريانية أيقن أن اختلافهـــا إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان و اختلاف البلدان ، و مجاورة الأمم و أنها لغة واحدة في الأصل " . الإحكام : لابن حزم ، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر ج1/30 .
المتأمل في اقوال العلماء العرب المعاصرين منهم و القدماء ، وفي أبحاث علمــــــاء اللغــات الأخرى من المستشرقين والأعاجـــم ، يستقر عنده اليقين أنهم جميعــــــــاً أجمهعوا على تفرع اللغات والأصل عنـــدهم واحد ، إما قريب مجاور أو بعيد مُغرق في الزمن ، ولـم أجــــــــد عند أحد منهم نظرية يعتد بهـــــا ، تشير إلى أن أي لغـــة تشكلت بمفردها دون أن يكون لهــــا جذر انسلخت منه أو سحبت نسب منه معها ، والشواهد كثيرة ليس بمقــــدور المرؤ على حصرها .
نعود الى حرف الميم ، قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه جلاء الأفهـــام
الميم حرف شفهي يجمع الناطق به ، فوضعته العرب علمــاً على الجمـــع فقالوا للواحـــد " أنت" فإذا جاوزه إلى الجمع قالوا: " أنتم" و قالوا للواحد الغائب : " هــو" فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا : " هــم" وكذلك في المتصـل يقولون: ضربت ، ضربتم ، و إياك ، و إياكم ، و إياه ،
و إياهم ، نظائره نحو: به و بهم ، و يقولون للشيء الأزرق أزرق فإذا اشتدت زرقتـــــــه و اجتمعت و استحكمت قالوا : " زرقم " ، وقالوا من قال : " اللهم " فكأنما جمع أسماء الله كلها
نستنتج بعد أن درسنا فونيم الميم أنه اخرج الراء من فصيل : البرق ، والرعد ، والريــاح من منظومة السمـــــــاء وربطهــا بفونيم الراء ، الذي هو من جنس الأرض ، التي رُبطـ بها ، الصخـر ، والبحـــر ، والنهر، والحجر ، والشجر ، والفجـــــر ، والظهر ، والعصر ، والمغـــرب ، الذي ينتسب الى النور الذي يُنير الأرض .
نلاخظ هنا أنَّ الفونيم يتعقب النسب . في التراب ، والصخر ، والحجر ، والنهر ، والبحــــر ، وكلهـــا على الأرض ، حتى القبر الذي في بطنها ، والبئر الذي ينز من جوفها ، والماء الذي يخر في نهرها ،و النور الذي يضيء نهارها ، بالفجر ، و الظهر ، و العصر ، و المغــــــرب
ثم قال : العشاء ، الذي لا نور فيه فنزع منه الراء ، لكنه اُسند إلى العتمة ، إذن العشــــــــاء
والعتمة ينتسبان إلى حرف العين
******
تتمة الكتاب في هذا الرابط
www.fiqhalhuroof.com