شخصية العدد / الشيخ البهائي العاملي بهاء الدين «953 - 1031 ه»
تاريخ النشر : 6/28/2010 عد زيارة : 3968 إشارة : مجلة آفاق الحضارة الاسلامية العدد 8 ,
قيس آل قيس
استاذ مساعد معهد العلوم الانسانية والدراسات الثقافية
هو بهاء الدين، محمد بن حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي الجبعي المعروف بالشيخ البهائي .
عالم اديب امامي، من الشعراء، فارسي الاصل، و لد ببعلبك «لبنان » سنة 953 ه . و انتقل به ابوه الي ايران و اتجه العاملي منذ نعومة اظافره الي كسب العلوم و المعارف حيث درس علم التفسير و الحديث و الفقه و آداب اللغة العربية علي والده، و درس علم الكلام و قسما من العلوم العقلية علي عبدالله المدرس اليزدي، و تعلم العلوم الرياضية علي الملا علي المذهب و المولي افضل قانلي المدرس، و قرا علم الطب و قانون ابن سينا علي الحكيم عماد الدين محمود . حتي صار علما من اعلام العلوم والادب يشار اليه بالبنان . فلما اشتد كاهله و صفت له من العلم مناهله، رحل رحلة واسعة، و نزل باصفهان فولاه سلطانها «شاه عباس » مشيخه الاسلام (رياسة العلماء) فاقام مدة ثم رغب في الفقر و السياحة . فترك المناصب و مال لما هو لحاله مناسب، فحج بيت الله الحرام، و زار النبي ( صلي الله عليه و آله وسلم)، ثم استمر في السياحة فساح ثلاثين سنة و اجتمع في اثناء ذلك بكثير من اهل الفضل، ثم عاد و قطن ايران ، و هناك همي غيث فضله، فالف و صنف و قرظ المسامع و شنف، و قصدته علماء تلك الامصار واتفقت علي فضله الاسماع والابصار، و كانت له دار مشيدة رحبة الفناء يلجااليها الارامل و الايتام و يفد عليها الآمل و الراجي، و هو يقوم بنفقتهم، و لم يزل آنفا من الانحياز الي السلطان راغبا في الغربة عن الاوطان يؤمل العودة الي السياحة فلم يقدر له حتي وافاه الاجل المحتوم في اصفهان .
ذكره العلامة الخوانساري في روضات الجنات و قال :
«شيخنا الامام العلامة، ومولانا الهمام الفهامة، افضل المحققين، واعلم المدققين ، خلاصة المجتهدين، شيخنا بهاء الملة والحق و الدين، محمد بن الشيخ العلم العلامة عز الملة و الحق و الدين حسين بن عبدالصمد الحارثي الجبعي قدس الله روحه و نور ضريحه .
اورده السيد السند الجليل، و تلميذه الثقة النبيل، عزالدين حسين بن السيد حيدر الكركي العاملي في بعض اجازاته المبسوطة، بعد ذكر احد عشر من مشايخه المضبوطة . . . و قال :
و شيخنا هذا طاب ثراه قد كان افضل اهل زمانه بل كان متفردا بمعرفة بعض العلوم التي لم يحم حولها احد من اهل زمانه، و لا قبله علي ما اظن من علماء العامة و الخاصة، يميل الي التصوف كثيرا، و كان منصفا في البحث، كنت في خدمته منذ اربعين سنة في الحضر و السفر، و كان له معي محبة و صداقة عظيمة، سافرت معه الي ائمة العراق عليهم الصلاة و السلام، فقرات عليه في بغداد والكاظمين، و في النجف الاشرف و حائر الحسين ( عليهم السلام) و العسكريين (ع)، كثيرا من الاحاديث، واجازني في كل هذه الاماكن جميع كتب الحديث و الفقه و التفسير و غيرها، و كنت في خدمته في زيارة الرضا [علي بن موسي (] عليه السلام) فقرات عليه هناك تفسير الفاتحة من تفسيره المسمي ب «العروة الوثقي »
و شرحيه علي «دعاء الصباح » و «الهلال » من الصحيفة السجادية (1) .
ثم توجهنا الي بلدة هراة التي كان سابقا هو و والده فيها شيخ الاسلام، ثم رجعنا الي المشهد المقدس، و من هناك توجهنا الي اصفهان، و من جملة ما قرات عليه اولا في عنفوان الشباب «الفية ابن مالك » في النحو، ثم قرات عليه رسائل متعددة من تصانيف والده، و سمعت عليه «مختصر النافع » و جملة من كتاب «قواعد الاحكام » بقراءة جماعة من المؤمنين و قرات عليه «الاثني عشريات الثلاث » التي هي من تصانيفه، و «شرح الاربعين حديثا» الذي هو من تصانيفه و هذا التصنيف كان بامداد الفقير والتماسه - و هذا التصنيف كان في غاية الجودة و نهاية الحسن، و قرات عليه المجلد الاول من كتاب «تهذيب الاخبار» و كذا المجلد الاول من كتاب «الكافي » لثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني، و كذا المجلد الاول من كتاب «من لا يحضره الفقيه » و اكثر كتاب «الاستبصار» الا قليلا من آخره قراءة و سماعا، و قرات عليه «خلاصة الاقوال في معرفة الرجال » و قرات عليه دراية التي جعلها كالمقدمة من كتاب «حبل المتين » و قرات عليه كتاب حبل المتين الذي خرج منه، واربعين حديثا التي الفها الشهيد رحمه الله، و قرات عليه الحديث المسلسل «القمني الخبز و الجبن » و القمني لقمة منها، و قرات عليه الرسالة المسماة ب «تهذيب البيان » و «الفوائد الصمدية » كلاهما من مصنفاته في النحو .
و هو قدس الله روحه يروي عن والده المحقق قراءة و سماعا اجازه لجميع ما للاجازة فيه مدخل من سائر العلوم النقلية و العقلية سيما كتب الحديث و التفسير و الفقه من طرقنا و طرق العامة، بحق روايته عن شيخنا الامام قدوة المحققين الشهيد الثاني (2) ، طاب ثراه » .
و مما يستحق الذكر هنا هو ان العلامة الخوانساري قد اطال ترجمته في الروضات و ذكر اخبار و حوادث و تفاصيل متعددة واشعارا بالعربية و الفارسية نرجو من يرغب الاطلاع عليها مراجعة كتاب روضات الجنات طبعة دارالمعرفة ببيروت - لبنان، المجلد السابع، ص 56- 83 .
و ذكره الشيخ الحر العاملي في امل الآمل و قال :
«الشيخ الجليل بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد . . . حاله في الفقه و العلم و الفضل و التحقيق و التدقيق وو جلالة القدر و عظم الشان و حسن التصنيف و رشاقة العبارة و جمع المحاسن اظهر من ان يذكر، و فضائله اكثر من ان تحصر، و كان ماهرا متبحرا جامعا كاملا شاعرا اديبا عديم النظير في زمانه في الفقه والحديث و المعاني و البيان و الرياضيات و غيرها» .
كما ذكره السيد علي بن ميرزا احمد في سلافة العصر، و قال :
«علم الائمة الاعلام، و سيد علماء الاسلام، و بحر العلم المتلاطمة بالفضائل امواجه، و فحل الفضل النابحة لديه افراده و ازواجه، وطود المعارف الراسخ، وفضاوها الذي لاتحد له فراسخ، و جوادها الذي لا يؤمل له لحاق، وبدرها الذي لا يعتريه محاق، الرحلة التي ضربت اليه اكباد الابل، و القبلة التي قطر كل قلب علي حبها، فهو علامة البشر و مجدددين الامة علي راس الحادي عشر [المقصود القرن الحادي عشر]، اليه انتهت رياسة المذهب و الملة، و به قامت قواطع البراهين والادلة، جمع فنون العلم، و انعقد عليه علي الاجماع، و تفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر و الاسماع، فما من فن الا و له فيه القدح المعلي، و المورد العذب المحلي، ان قال لم يدع قولا لقائل، اوطال لم يات غيره بطائل ، وما مثله و من تقدمه من الافاضل والاعيان ، الا كالملة المحمدية المتاخرة عن الملل والاديان، جاءت آخرا ففاقت مفاخرا و كل وصف قلت في غيره فانه تجربة الخاطر .
مولده بعلبك سنة ثلاث و خمسين و تسعمائة، و انتقل به والده و هو صغير الي الديار العجمية . فنشؤ في حجره بتلك الديار المحمية . واخذ عن والده و غيره من الجهابذ، حتي اذعن له كل مناضل و منابذ، فلما اشتد كاهله . و صفت له من العلم ناهله . صار بها شيخ الاسلام . و فوضت اليه امور الشريعة علي صاحبها الصلاة و السلام .
ثم رغب في الفقر و السياحة . واستهب من مهاب التوفيق رياحه، فترك تلك المناصب، و مال لما هو بحاله مناسب فقصد زيارة بيت الله الحرام . و زيارة النبي و اهل بيته الكرام، عليهم افضل التحيه و السلام، ثم اخذ في السياحة فساح ثلاثين سنة . و اوتي في الدنيا و في الآخرة حسنة . و اجتمع في اثناء ذلك بكثير من ارباب الفضل و الحال، و نال من فيض صحبتهم ما تعذر علي غيره و استحال، ثم عاد و قطن بارض العجم، و هناك هما غيث فضله و انسجم، فالف و صنف و قرظ المسامع و شنف » .
و قد اطال في وصفه بفقرات كثيرة . و ذكر و فاته في سنة احدي و ثلاثين بعد الالف و ذكر قسما من مؤلفاته .
«نموذج من اشعاره »
قال في رثاء والده رحمه الله .
قف بالطلول و سلها اين سلماها
ورو من جرع الاجفان جرعاها
و ردد الطوف في اطراف ساحتها
و روح الروح من ارواح ارجاها
فان يفتك من الاطلال مخبرها
فلا يفوتك مرآها و رياها
ربوع فضل تباهي التبر تربتها
و دار انس تخال الدر حصباها
عدا علي جيرة حلوا بساحتها
صرف الزمان فابلاهم وابلاها
يدور تم غمام الموت جللها
شموس فضل سحاب الترب غشاها
فالمجد يبكي عليها جازعا اسفا
و الدين يندبها و الفضل ينعاها
يا حبذا ازمن في ظلهم سلفت
ما كان اقصرها عمرا واحلاها
اوقات عمر قضيناها فماذكرت
الا و قطع قلب الصب ذكراها
يا جيرة هجروا و استوطنوا هجرا
واها لقلبي المعني بعدكم واها
رعيا لليلات بالحمي سلفت
سقيا لايامنا بالخيف سقياها
لفقدكم شق جيب الصبر وانصدعت
اركانه وبكم ما كان اقواها
و خر من شامخات العلم ارفعها
و انهد من باذخات الحلم ارساها
يا ثاويا بالمصلي من قري هجر
كسبت من حلل الرضوان اصفاها
اقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت
ثلاثة كن امثالا و اشباها
حويت من درر العلياء ما حويا
لكن درك اعلاها و اغلاها
الي آخر القصيدة ومن جملة اشعاره الفاخرة قوله :
ان هذا الموت يكرهه
كل من يمشي علي الغبرا
و بعين العقل لو نظروا
لراوه الراحة الكبري
و قوله قدس سره :
و ثورين حاطا بهذا الوري
وثور الثريا و ثور الثري
و هم فوق هذا و من تحت ذاك
حمير مسرجة في قري
و قوله نور ضريحه :
و مائسة الاعطاف تستركم وجهها
بمعصمها لله كم هتكت سترا
ارادت لتخفي فتنة من جمالها
بمعصمهافاستانفت فتنة اخري
و قوله طيب الله تعالي رمسه :
وثقت بعفو الله عني في غد
و ان كنت ادري انني المذنب العاصي
و اخلصت حبي في النبي و آله
كفي في خلاصي يوم حشري اخلاصي
و كان يجتمع مدة اقامته بمصر بالاستاذ محمد بن ابي الحسن الكبري و كان الاستاذ يبالغ في تعظيمه . فقال له مرة: يا مولانا ؤنا درويش فقير كيف تعظمني هذا التعظيم: قال شممت منك رائحة الفضل وامدح الاستاذ بقصيدته المشهورة التي مطلعها:
يا مصر سقيا لك من جنة
قطوفها يانعة دانيه
ترابها كالتبر في لطفه
و ماؤها كالفضة الصافيه
قد اخجل المسك نسيم لها
و زهرها قد ارخص الغاليه
دقيقة اصناف اوصافها
و مالها في حسنها ثانيه
منذ انخت الركب في ارضها
انسيت اصحابي واحبابيه
فيا حماها الله من روضة
بهجتها كافية شافيه
فيها شفاء القلب اطيارها
بنغمة القانون كالدرايه
و منها ايضا: -
من شاء ان يحيا سعيدا بها
منعما في عيشة راضيه
فليدع العلم و اصحابه
و ليجعل الجهل له غاشيه
والطب و المنطق في جانب
والنحو و التفسير في زاويه
و ليترك الدرس و تدريسه
و المتن و الشرح مع الحاشيه
الي م يا دهر و حتي متي
تشقي بايامك اياميه
تحقق الآمال مستعطفا
و توقع النقص بآماليه
و هكذا تفعل في كل ذي
فضيلة او همة عاليه
فان تكن تحسبني منهم
فهي لعمري ظنة واهيه
دع عنك تعذيبي والا فاش
كوك الي ذي الحضرة العاليه
و كتب الي والده وهو بهراة: -
يا ساكني ارض الهراة اما كفي
هذا الفراق بلي و حق المصطفي
عودوا علي فربع صبري قد عفي
والجفن من بعد التباعد ما غفا
نرجو من يرغب التفصيل والاطلاع علي اشعاره مراجعة خلاصة الاثر في اعيان القرن الحادي عشر، للمحبي، طبعة مصر، سنة 1284 ه . ج 3، ص 440- و ما بعدها .
وفاته:
توفي رحمه الله و قدس روحه بمدينة اصفهان في شهر شوال سنة 1030ه . و قيل سنة 1031ه . و قت رجوعه من زيارة بيت الله الحرام، ثم نقل الي مدينة مشهد (مشهد الامام الرضا - علي بن موسي - ( عليهما السلام) و دفن هناك في بيته قرب الحضرة المقدسة، و قبره ( رحمه الله) هناك مشهور يزوره الخاصة والعامة .