جملة ما يحتاج المتأدب إليه في الأفعال وما يتصرف منها
من كتاب الأفعال لابن القطاع
اعلم أن أفضل ما رغب فيه الراغب وتعلق به الطالب معرفة لغة العرب التي نزل بها القرآن وورد بها حديث النبي عليه السلام لتعلم بها حقيقة معانيهما ولئلا يضل من أخذ بظاهرهما
وقد قال بعض الحكماء اللغة أركان الأدب والشعر ديوان العرب بالشعر نظمت المآثر وباللغة نثرت الجواهر لولا اللغة ذهبت الآداب ولولا الشعر بطلت الأحساب بلغة العرب نزل القرآن وبشعرهم ميز الفرقان من ذم شعرهم فجر ومن طعن على لغتهم كفر سألتني أراك الله السول وبلغك المأمول إن الخص لك ما انغلق وبعد وأخلص لك ما عسر وانعقد من كتاب أبنية الأفعال لأبي بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية وهذا الكتاب في غاية الجودة والإحسان لو كان ذا ترتيب وبيان لكن لم يرتبه على الكمال وقد اجتهدت في ترتيبه وتهذيبه بعد وسميته تهذيب كتاب الأفعال لأنه قد أربى فيه على كل من ألّف في معانيه إلا أنه لم يذكر فيه سوى الأفعال الثلاثية وما دخل عليها من الهمزة ولم يستوعب ذلك وترك نحوا مما ذكر وخلط في التبويب وقدم وأخّر في الترتيب وجعل الثلاثي باتفاق معنى في أبواب وباختلاف معنى في أبواب والمزيد بالهمزة في أبواب والثنائي المضاعف في أبواب والمتفق والمختلف منه في أبواب فأتعب الناظر وانصب الخاطر وصار الطالب للحرف يجده متفرقا في الكتاب في عدة أبواب ولم يذكر فيه الأفعال الرباعية الصحيحة ولا الخماسية والسداسية المزيدة ولا الثنائية المكررة فأجبتك إلى ما سألت وأسعفتك بما أردت على ما في ذلك من التعب الطويل والنصب الجزيل لأني أحتاج أن أعرض الكتاب لكل حرف عرضة وألحق به ما ترك من عدة دواوين وفي هذا من المشقة ما لا يخفى عليك غير أني ابتدأت في ذلك مستعينا بالله العظيم راغبا في ثوابه الجسيم وإحسانه السابغ العميم للانتفاع بذلك في القرآن العظيم وحديث نبيه الكريم عليه السلام
فرددت كل فعل إلى مثله وقرنت كل شكل بشكله ورتبته خلاف ترتيبه وهذبته خلاف تهذيبه وذكرت ما أغفله من الأفعال الثلاثية والمزيدة بالهمزة والثنائية المكررة وأوردت الأفعال الرباعية الصحيحة والأفعال الخماسية والسداسية المزيدة وأثبتها على حروف المعجم حتى لا يحتاج الناظر أن يخرج من باب إلا وقد استوعب جميع الأفعال على التمام والكمال وأعلمت على ما أورده بحرف القاف وعلى ما أوردته بحرف العين ليعرف بذلك ما أورده وما أوردت وما ترك وما زدت وجمعت فيه ما افترق في مصنفات العلماء ونظمت فيه ما انتثر في مدونات البلغاء وأردت أن يكون الكتاب جامعا لسائر الأفعال حائز القصب الكمال ولم أورد فيه سوى المعروف المستحسن وعديت عن الحوشي المستهجن فإن شذّ عنه شيء فهو من هذا النوع وأرجو أن لا يشذ عنه شيء من اللغة المستعملة ولا يبقى في نفس الناظر فيه أمر من الأمور المشكلة بعون الله وتأييده وتوفيقه وتسديده جعلنا الله من الراغبين فيما لديه العاملين بما ندب إليه الفائزين برحمته عند القدوم عليه
قال أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز
رضي الله عنه اعلم أن الأفعال أصول مباني اكثر الكلام ولذلك سمتها العلماء الأبنية وبعلمها يستدل على أكثر علم القرآن والسنة وهي حركات متقيضات والأسماء غير الجامدة والنعوت كلها منها مشتقات وهي اقدم منها بالزمان وان كانت الأسماء اقدم بالترتيب في قول الكوفيين والبصريون يقولون بقدم الأسماء وان الأفعال مشتقة منها ولكل وجه وهي ضربان ضرب دخل التضعيف ثانية فصار ثلاثيا وضرب ثلاثي صحيح ومعتل فالمضاعف ضربان ضرب على فَعَل وضرب على فَعِل ليس فيه غيرهما إلا فعل شاذ رواه يونس وهو لبُبتَ تُلّب لَبّا ولبَابة والأعمّ لبَبت تلَبّ وحكى الخليل ذَمُمت تذُم وحكى ابن خالويه عَزُزت الشاة تعزُّقل لبنها وحكى الزجاج عن العرب لبُبت تلبّ بضم العين في الماضي وفتحها في المستقبل ولا نظير له في كلام العرب وحكى لببت تلبّ بكسر عين الماضي وضمها في المستقبل عن اليزيدي والضم يستثقل في المضاعف فما كان منه على فَعَل متعد يا فان مستقبله على يفُعل غير افعال جاءت باللغتين هرَّه يهُرُّه ويهرِّه كرِهه وعلَّه بالشراب يَعُلّه ويعِله وشدَّه يشُدّه ويشِدُّه
وقال الفراء نمّ الحديث ينمِه وينُمُّه وَبتَّ الشيء يبُتُّه ويبِتّه وشذ من ذلك حَببَت الشيء احِبّه قرأ العطاردى ( فاتبعوني يَحِبُّكم الله )
وما كان غير متعد فإنه على يفعِل غير افعال اتت باللغتين شحَّ يشِحّ ويُشحّ ووجَدّ في الأمر يَجِدّ ويجُدّ وجمَّ الفرس يجّم ويُجّم وشب يشِبّ ويشبّ وفَحَّت الأفعى تفِح وتَفُحُّ وترَّت يده تِترّ وتُترّ وطّرت المرأة تطِرّ وتطُر وصدّ عني يصِدّو يصُدُّ وحدّت المرأة تحِدّو تحُدّ وشذَّ الشيء يشِذّ ويشُذّ ونسّ الشيء ينِسّ وينُسّ إذا يبس وشطّت الدار تَشِطّ وتشُطَّ ودرّت الناقة تدِرّ وتدرُّ
وأمّا ذرّت الشمس وهبّت الريح فإنهما أتيا على يفعُل إذ فيهما معنى التعدي وشذ منه الّ يؤلّ الاً بَرِق والرجلّ أليلاً رفع صوته ضارعا
وما كان على فَعِل فإنه على يفعَل وليس لمصادر المضاعف ولا الثلاثي كله قياس يحتمل عليه وإنما ينتهي فيه إلى السماع أو الاستحسان
وقد قال الفراء كل ما كان متعديا من الأفعال الثلاثية فإن الفَعْل والفُعول جائزان في مصدره
والثلاثي الصحيح ثلاثة اضرب فَعَل وفَعُل وفَعِل فما كان على فَعَل من مشهور الكلام مثل ضرب ودخل فالمستقبل فيه على ما أتت به الرواية وجرى على الألسنة يضرِب ويدخُل فإذا جاوزت المشهور فأنت بالخيار إن شئت قلت يفعِل أو يفعُل هذا قول أبي زيد إلا ما كان عين الفعل أو لامه احد حروف الحلق فإنه يأتي على يفعَل إلا افعالا يسيرة جاءت بالفتح والضم مثل يجنَح ويجنُح ودبَغ يدبَغ ويدُبغ وافعالاً بالكسر مثل هنأ يهنِىء ونزَع ينزِع
ع وليس في كلام العرب فعل يفعَل بفتح الماضي والمستقبل مما ليس عينه ولا لامه حرف حلق إلا حرف واحد لا خلاف فيه وهو أبى يأبى وقد جاءت اربعة عشر فعلاً باختلاف فيها وهي قلَى يقلَى وغسَى الليل يغسَى وركَن يركَن وجنى يَجني وشحَى يشحَى وعثَى يعثى وحكى ايضاً سلى يسْلى وخطى يخطى وعلى يعلى وقنَط يقنَط وغصصتَ تغَصّ وبضضت تبَضُّ عن يعقوب وودَع يدَع وقرىء ( ما وَدَعَك ربُّك ) ويذر لأنه محمول على يدع وإن لم يأت له ماض وقيل اصله وَذر يذَر مثل وسِع يسَع إلا أنه أميت ماضيه
ق وما كان على فَعُل فمستقبله يفعُل لا غير
ع ما خلا حرفاً واحداً احكاه سيبويه وهو كُدت تكاد وقال غيره دُمت تَدام ومُتَّ تمات وجُدت تجاد
ق وما كان على فَعِل فمستقبله على يَفعَل الأفضل الشيء يفضُل فإنه لما كان الأجود فَضَل استغنوا بمستقبله عن مستَقبل فَضِل وفي لغة نَعِم ينعُم ليس في السالم غيرهما
ع هذه الأفعال ستة ذكر منها اثنين وبقى عليه أربعة وهي حَضِر يحضُر وقَنط يقنُط قرأ أبو حيوة شريح القاضي ( ومن يقنُط ) بالضم وركن يركَنُ قرأ قتادة ( ولا تركُنوا إلى الذين ظلموا ) ولَبِبَت تَلُبُّ وحكى ابن الأعرابي فَضَل ونَعَم
ق وجاءت أفعال بالفتح والكسر وهي حَسِب يحسَب ويحسِب وبِئس يبأس ويبئس ونِعم ينَعم وينعِم ويئِس ييأسن وييئسَ
ع ذكر أربعة أفعال وبقيت عليه ستة وهي يبِس ييبسِ وفضِل يَفضِل عن اللحيانى وقنِطَ يقنِط عن الأخفش وعرِضت له الغول تعرِض عن الأصمعي وضللت أضِل لغة تميم وقَدر يقَدر عن قطرب لغة لبعض ربيعة وقد يفتح المضارع فيها كلها
ق وجاءت أفعال معتلة على فَعِل يفعِل وهي ورَم يَرم ووَلى يَلى ووَرِث يرث ووثِق يثِق وومِق يمِق ووَرِع يَرِع ووَفِق أمره يَفِق ووَرِى الزَنَد يرى لم يأت غيرها
ع ذكر ثمانية أفعال سبعة لا خلاف فيها وواحداً فيه خلاف وهو وَرِى الَزند فأنه يقال فيه وَرِى ووَرَى وبقى عليه فعل لا خلاف فيه وهَوِ وَرِى المخُ يَرى إذا اكتنز بالكسر لا غير
واثنا عشر فعلا باختلاف فيها وهي وَلِغ يلِغ ووزِع يَزِع عن أبي زيد والأجود وَلِغ يَولَغ ووزِع يزَع وقد جاء وَلَع يَلِع ووَلِع يَولَع ووَغِر صدره يغِر ووَحِر يَحِر عن أبي زيد أيضا والأجود يَوغَر ويوحَر ووَهِن يهِن وحكى ابن دريد وَهِن يَوهَن ووَبِق يَبِق وقالوا فيه وبَق يبَق ووبِق يَوبقَ ووَصِب الرجل في ماله وعلى ماله يَصِب إذا أحسن القيام عليه ويقال وَصِب يوصَب ووصَب يَصِب ووَلِه يَلِه ووَهِل يهِل والمستعمل يَولَه ويوهَل وطاح يطيح وتاه يتيه عن الخليل وهي فَعِلَ يَفعِل كحسِب يحسِب ووَلِغ يلَغ وحكى أبو زيد يولَغ وحكى غيره وَلَغَ يلَغ
وإنما حذفت الواو من يلَغ ويَدع وأشباهها وقد وقعت بين ياء وفتحة لأن الأصل عند الخليل يَولِغ ويودِع فحذف الواو لذلك ثم فتح المضارع لأن فيهن حرفا من حروف الحلق وحَكى سيبويه وَرِع الرجل يَورَع وجاء في المضاعف ضَلِلت أضِل والمستعملَ ضَلِلت أضَلُّ وضَللَت أَضِل
ق وجاء في المعتل دِمتَ تدوم وتَدام ومِتَّ تموت وتمات والأجود دُمت تدوم ومُتّ تموت
ع وبقى عَليه كِدْت تكاد وجِدت تجاد وجاء فيهما تكود وتجود
ق ومصادر الثلاثي كلها تأتي على فَعْلٍ وفَعَل وفِعْل وفُعَل وفَعِل وفُعُل وفِعَل وفُعُول وفَعِيل وفَعُول وفُعَال وفِعال وفَعال وفَعْلان وفُعُلان وفِعْلان وفَعَلان وفَعَالة وفِعَالة وفُعُولة وفَعْلة وفِعْلة وفُعْلة وفَعَلة وَفِعلة وفُعَلَة وسترى هذه المصادر مع أفعالها إن شاء الله تعالى
ع لم يذكر من أبنية المصادر الثلاثية سوى خمسة وعشرين بناء وهي مائة وقد ذكرتها مستوفاة في كتابي المعروف بأبنية الأسماء والأفعال والمصادر
ق وقد تأتي المصادر قليلا على فُعْلى وفَعْلى كالرُجعى والبُشرى والشَكْوَى والتَّقوى وقالوا في مصادر الرباعي البَقْوى والبُقيا والفَتوى والفُتيا ولهذه الأفعال مصادر دخلت زيادة الميم أولها تدرك بالقياس على ما أصلته به العلماء مما قالته العرب على أصله وأشذته
ومنها أسماء مبنية بالزيادة تشبه المصادر في وزنها وتخالفها في بعض حركاتها للفصل بين الاسم والمصدر فما كان على يَفعِل فالمصدر منه على مَفَعل كالمفرّ والمَضرب لم يشذ غير المَرجِع قال الله تعالى ( إليه مَرجِعُكم ) والمعذِرة والمعرِفة وقالوا المعجِز والمعجَز في الْعَجز الذي هو ضد العزم وكذلك قالوا في المعجزة والمعجَزة والمعتِبة والمعتَبة والاسم منه على مَفعِل كالمفرِ موضع الفِرار والمضرِب موضع الضرب لم يشذ من هذا إلا ألفاظ جاءت باللغتين أرض مهَلكَة ومهلِكة وَمضرَبَةَ السيف ومضَرِبته ومن المضاعف مَدَبّ النمل ومدبّهَ حيث يدِبّ والمَزلَّة والمَزِلّة موضع الزلل وعِلْق مَضَنّة ومَضِنَّة وما كان على يفعُل فالاسم والمصدر منه مفتوحان حملوه محمل يفعَل إذ لم يكن في الكلام مَفعُل فالزموه الفتح لخفته إلا ألفاظا جاءت بالكسر كالمشرِق والمغرِب والمسجد اسم البيت والمجزِر موضع الجُزارة وجاءت ألفاظ باللغتين بالفتح والكسر كالمَطلَع والمَنِسِك والمسكِن ومَفَرَق الطريق والرأس والمِحشَر والمنبَتِ
ومن المضاعف المَذَمّة ومِحَلّ الشيء حيث يحُل وما كان على يفَعل فالاسم والمصدر منه مفتوحان لم يشذَّ من ذلك إلا المَكْبِر يعنون الكِبَر والمحمِدة يريدون الحمد
والثلاثية المعتلة بالواو في العين أو اللام والمعتلة بالياء في مصادرها والأسماء المبنية على مَفعَل فرُّوا عن الكسر إلى الفتح لخفته لم يشذ من ذلك إلا المعصية ومأوى الإبل فإنهما مكسوران والمأوَى لغير الإبل مفتوح على أصله وكسروا مأقى العين لم يأت غيره
ع ليس مأقى العين مَفِعلا وإنما وزنه فَعْلِى وقد غلط فيه جماعة من العلماء وإنما الياء في آخره للإلحاق وليس له نظير فالحق بمفعِل على التشبيه فلهذا جمعوه على مآقٍ ق واما المعتلة بالياء في عين الفعل فانما ينتهى في مصادرها والأسماء منها إلى الروايات لأنهم قالوا المحيض والمَبيت والمَغيب والمزِيد وهن مصادر وقالوا المَغيض مغيض الماء والمحيض في الأسماء والمصادر وقالوا المَطار والمَنال والممَال في الأسماء والمصادر
ومن العلماء من يجيز الكسر والفتح فيها مصادركُنَّ أو أسماء فيقول الممال والمميل والمغَاب والمغيب وفي اشباهها كذلك
وتنقلب الواو والياء ألفا في مصادر ذوات الواو والياء كما انقلبت في افعالها كالمُقال والمجُال والمُطار والمُنال والمُقام والمُراح في الرباعي
والأفعال السالمة من ذوات الياء في المصادر والأسماء كالمعتلة لم يشذ من ذلك الا المحمِية في الغضب والأنَفَة