الفتوى (4113) :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
تصدرت السورة بحرف التوكيد للعناية بالخبر، وأنه شيء عظيم، وفيه تنويه بشأن النبي صلى الله عليه وسلم وبشارة له. وضمير المتكلم للتعظيم المشعر بالامتنان بعطاء عظيم. والكوثر في اللغة اسم للخير الكثير، وفيها ما يُفيد الكَثْرة؛ ولذلك فسَّره الزمخشري بالمفرط في الكثرة. ويوصفُ الرجل صاحب الخير الكثير بكَوثر من باب الوصف بالمصدر. ومن مَعاني الكَوثر أنه الخير الكثير، ورُوي عن ابن عباس قال سعيد بن جبير فقلت لابن عباس: إن ناسًا يقولون هو نهر في الجنة، فقال: هو من الخير الكثير. وعن عكرمة: الكوثر هنا: النبوءة والكتاب، وعن الحسن: هو القرآن، وعن المغيرة: أنه الإِسلام، وعن أبي بكر بن عَيَّاش: هو كثرة الأمة. وحكى الماوردي: أنه رفعة الذكر ونور القلب، وأنه الشفاعة.
ولكن أُريد بذلك بشارة النبي- صلى الله عليه وسلم- وإزالةُ ما عسى أن يكون في خاطره من قول من قال فيه: هو أبتر، فقُوبل معنى الأبتر بمعنى الكوثر، إبطالًا لقولهم.
وقوله: {فَصَلِّ لرَبِّكَ} اعتراض والفاء للتفريع على هذه البشارة بأن يشكر ربه عليها، بالصلاة شكرًا للنعم. قالَ، ببلاغة الالتفات: فصَلِّ لربك، ولم يقلْ فصلِّ لنا، لما في لفظ الرب من الإِيماء إلى استحقاقه العبادةَ لأجل ربوبيته فضلًا عن فرط إنعامه. وإضافة (رب) إلى ضمير المخاطب (ربك) لتشريف النبي- صلى الله عليه وسلم- وتقريبه، وأنه يربُّه ويرأف به.
ثُمّ فَرَّع بالنحر مع الأمر بالصلاة على أن أعطاه الكوثر، فهو مناسبٌ للنحر. ويظهر أن هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن صدّ المشركين إيّاه عن البيت في الحديبية، فأعلَمَه الله تعالى بأنه أعطاه خيرًا كثيرًا، ورَوى الطبري عن سعيد بن جبير أن قوله: {فَصَلِّ لرَبِّكَ وانْحَرْ} أمر بأن يصلي وينحر هديه وينصرفَ من الحديبية.
وأفادت اللام {لربك} مَعنى التخصيص فهو مأمور بأن يخُص الله بصلاته فلا يصلي لغيره. وفي ذلِك تعريض بالمشركين بأنهم يصلون للأصنام بالسجود لها والطواف حولها. وعطف { وانحر} على {فصلِّ لربك} يقتضي تقدير متعلِّقه مماثلًا لمتعلِّق {فصلِّ لربك} أي وانحَرْ لربك وتقربْ إليه وسمِّ الله في النّحر.
واستنبطوا من وقوع الأمر بالنحر بعد الأمر بالصلاة دلالةً على أن الأضحية تكون بعد الصلاة،
وفي الآية أسلوب قَصْر في قوله: {إنّ شانئكَ هو الأبتر} وفيه نفيُ وصف الأبتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن بمعنًى غير المعنى الذي عناه شانئه فهو استخدام ينشأ من صيغة القصر.
والشانئ المبغضُ وهو من الشناءة وهي البغض والشنآن، ويشملُ كل مبغض له من أهل الكفر فكلهم أبتر من الخير ما دام فيه شنآن للنبي صلى الله عليه وسلم إلا الذين آمَنوا وأسلَموا وحسن إسلامهم.
اللجنة المعنية بالفتوى:
المجيب:
أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)
راجعه:
أ.د. أحمد البحبح
أستاذ اللغويات في قسم اللغة
العربية وآدابها بكلية الآداب - جامعة عدن
رئيس اللجنة:
أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)