القول الفصل في قطع همزة العلم المنقول من المبدوء بهمزة وصل
أحمد بن إسحاق
* فلقد تتبعت المسألة في كتب أئمة علم النحو واللغة؛ لأعلم آراءهم في المسألة، مع علمي بأن ملكتي قاصرة عن القدر المعتَبَر في هذا العلم، ولكن (ربما أدرك الطّالعُ شَأْوَ الضليع، وَعُدَّ في جملةِ العقلاء المتعاقِلُ الرَّقيع).
وهذه أقوالهم بنصها:
1- قال إمام النحاة سيبويه:
"وإذا سميت رجلاً بـ (اضْرِبْ) أو (اقْتُلْ) أو (اذهبْ) لم تصرفه، وقطعت الألفات حتى يصير بمنزلة الأسماء؛ لأنك قد غيرتها عن تلك الحال، ألا ترى أنك ترفعها وتنصبها، وتقطع الألف؛ لأن الأسماء لا تكون بألف الوصل، ولا يُحْتَج باسم، ولا ابن؛ لقلة هذا مع كثرة الأسماء"[1].
ثم يقول في نفس الأمر:
"وإذا جعلت اضربْ أو اقتلْ اسمًا لم يكن له بد من أن تجعله كالأسماء؛ لأنك نقلت فعلاً إلى اسم، ولو سميتَهُ انطلاقًا لم تقطع الألف؛ لأنك نقلت اسمًا إلى اسم"[2].
ثم قال في "باب أسماء السور":
"وإذا أردت أن تجعل (اقتَرَبَتْ) اسمًا قطعْتَ الألف، كما قطعت ألف (اضْرِب) حين سميت به الرجل، حتى يصير بمنزلة نظائره من الأسماء: نحو: إصبع"[3].
وقال في موطن آخر:
"فإذا جعلت اعضض اسمًا، قطعت الألف، كما قطعت ألف اضرِبْ"[4].
2- وقال ابن هشام ما نصه:
"ومن هنا قلْتُ: حرف التعريف "أل" فقطعت الهمزة؛ وذلك لأنك لما نقلْتَ اللفظ من الحرفية إلى الاسمية أجريتَ عليه قياس همزات الأسماء، كما أنك إذا سميت بِـ "اضرب" قطعت همزته"[5].
3- وقال ابن مالك:
"إذا سمي بما أوله همزة وصل، قطعت الهمزة إن كانت في منقول من فعل، وإلا استصحب وصلها، فيقال في "اعلم" إذا سُمِّي به: "هذا إِعلم" و"رأيت إعلم"، ويقال "في "اخرج" إذا سمي به: "هذا أُخْرُجْ" ويقال في المسمى بـ"اقتراب" و "اعتلاء": هذا اقتراب، ورأيت اقترابًا، وهذا اعتلاء، ورأيت اعتلاءً؛ لأنه منقول من اسمية إلى اسمية، فلم يتطرق إليه تغير أكثر من التعيين بعد الشياع، بخلاف المنقول من الفعلية إلى الاسمية؛ فإن التسمية أحدثت فيه مع التعيين ما لم يكن فيه من إعراب، وغيره من أحوال الأسماء، فرجع به إلى قياس الهمز في الأسماء وهو القطع"[6].
4- وقال الأنباري:
"كما أن الفعل إذا سمي به، فإنه تقطع همزة الوصل منه، نحو: اضربْ واقتلْ، تقول "جاءني إِضربْ، ورأيت إِضربْ، ومررت بإِضربْ"، و"جاءني أُقتُلْ، ورأيت أُقْتُلْ، ومررت بأُقْتُلْ" بقطع الهمزة؛ ليدل على أنها ليست كالهمزة التي كانت في الفعل قبل التسمية، وأنها بمنزلة حرف من نفس الكلمة"[7].
5- وقال الشيخ خالد الأزهري:
"كما أن الفعل المبدوء بهمزة الوصل إذا سمي به قُطِعت همزته، تقول: جاءني أُنْصُر وإِضْرِبْ، بضم الهمزة في الأول، وكسرها في الثاني"[8].
6- وقال السمين الحلبي:
"فعل الأمر يجب قطع همزته إذا سمي به، نحو: "إِشْرَبْ"؛ لأنه ليس لنا من الأسماء ما همزته للوصل إلا أسماءٌ عشرة)[9].
7- وقال العكبري:
قوله تعالى: ï´؟مِنْ إِسْتَبْرَقٍï´¾ [الرحمن: 54]: أصل الكلمة فِعْلٌ على اسْتَفْعَلَ[10]، فلما سمي به قُطِعت همزته)[11].
8- وقال السيوطي:
"(و) يرد همز (الوصل في فعل قطعًا)، فإذا سميت بنحو "انطلق" قلت "إِنْطلق" بقطع الهمزة؛ لقلة ما جاء من الأسماء بهمزة الوصل، فلا يقاس عليه بخلافها في الاسم؛ نحو: "انطلاق" فلا يُقْطَع؛ لأنها ثبتت فيه، وهو اسم لم يخرج عن الاسمية (قيل أو اسم) أيضًا، وعليه ابن الطَّرَاوة، فقال: تُقْطَع الهمزة في إِنْطلاق"[12].
9- وقال الصبان ما نصه:
"قوله: نحو: "يا أَلمنطلق زيد" بقطع الهمزة؛ لأن المبدوء بهمزة الوصل فعلاً، أو غيره، إذا سمي به يجب قطع همزته، كما أفاده في التصريح"[13].
10- وقال في موطن آخر عند الحديث عن العَلَم:
"ومنه "إِصْمِت" بهمزة قطع وميم مكسورتين، وإن كان الأمر من الصمت بهمزة وصل وميم مضمومتين، على أنه من صَمَت بفتح الميم، وبهمزة وصل مكسورة وميم مفتوحة على أنه من صَمِت بكسرها؛ لأن الأعلام كثيرًا ما يُغَيَّر لفظها عند النقل كما في التصريح)[14].
• ملحوظة:
"إِصمت" في قول الصبان: هي علم لِفَلاَة، وهي كلمة من بيت وهو:
أَشْلَى سَلُوقِيَّةً بَاتَتْ وَبَاتَ بِهَا
بِوَحْشِ إصْمِتَ فِي أَصْلاَبِهَا أَوَدُ[15]
• ومحل الاستشهاد: قوله: "إصمت" فإن أصله فعل أمر من الثلاثي المبدوء بهمزة وصل، فقُطعت همزته لما نُقل إلى العلمية.
11- وفي هذه اللفظة يقول الزبيدي:
(إصمت): منقول من فعل الأمر مجردًا عن الضمير، وقُطعت همزته، ليجري على غالب الأسماء، هكذا جميع ما يسمى به من فعل الأمر، وكسرُ الهمزة في إِصْمِتْ، إما لغة لم تبلغنا، وإما أن يكون غُيِّرَ في التسمية به عن اصْمتْ، بالضم الذي هو منقول من مضارع هذا الفعل، وإما أن يكون مرتجلاً وافق فعل الأمر الذي بمعنى اسكت، وربما كان تسمية هذه الصحراء بهذا الفعل للغلبة؛ لكثرة ما يقول الرجل لصاحبه إذا سلكها: اصمت[16].
12- وقال الحريري:
"ومن جلَّة أوهامهم أنهم إذا ألحقوا لام التعريف بالأسماء التي أولها ألف وصل نحو "ابن وابنة واثنين" سَكَّنُوا لام التعريف، وقطعوا ألف الوصل؛ احتجاجًا بقول قيس بن الخطيم:
إذَا جَاوَزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ فَإِنَّهُ
بِنَثّ وَتَكْثِيرِ الْوُشَاةِ قَمينُ
والصواب في ذلك أن تسقط همزة الوصل، وتكسَر لام التعريف، والعلة فيه أنه لما دخل لام التعريف على هذه الأسماء صارت همزة الوصل حشوًا، والتقى في الكلمة ساكنان: لام التعريف والحرف الساكن الذي بعد همزة الوصل؛ فلهذا وجب كسر لام التعريف، فأما البيت المستشهَد به فمحمول على ضرورة الشعر، على أن أبا العباس المبرِّدَ ذكر أن الرواية فيه "إذا جاوز الخِلَّيْن"، وإن كان الأشهر الرواية الأولى، حتى إن بعضهم أشار إلى أنه عَنَى بالاثنين الشفتين.
وكذلك الحكم فيما يلحق بأسماء المصادر التي أولها همزة الوصل من لام التعريف في إسقاط الهمزة، وكسر لام التعريف، كقولك: "الاقتدار، والانطلاق، والاحمرار"؛ للعلة التي تقدَّم ذكرُها"[17].
13- وأخيرًا قال عباس حسن:
"إذا كان العَلَم منقولاً من لفظ مبدوء بهمزة وصل، فإن همزته بعد النقل تصير همزة قطع، نحو: "إِستقبال" علم امرأة، و"أل" علم على الأداة الخاصة بالتعريف أو غيره، بشرط أن تُكْتَب منفردة مقصودًا بها ذاتها؛ فنقول: "أل" كلمة ثنائية، و"أل" فى اللغة أنواع من حيث المدلول، ومثل: يوم الإِثنين، بكتابة همزة: "إِثنين"؛ لأنها علم على ذلك اليوم،ومثل: "أُسْكت" علم على صحراء.
ونَقَلَ عن الخضري قولَهُ: وللخضري تعليل قوي، نصه:
"ما بدئ بهمزة الوصل فعلاً كان أو غيره، يجب قطعها في التسمية به؛ لصيرورتها جزءًا من الاسم، فتُقْطع في النداء أيضًا، ولا يجوز وصلها لأصالتها، كما - وُصِلت - في لفظ الجلالة؛ لأن له خواصَّ ليست لغيره"؛ اهـ[18].
• نتيجة البحث:
تبين لنا من خلال أقوال الأئمة ما يلي:
1- أن العلَم المنقول من فعل مبدوء بهمزة وصل تصير همزته بعد النقل همزة قطع، وكان هذا إجماعًا منهم على ذلك، وكذلك همزة "أل" الحرفية علمًا على الأداة الخاصة بالتعريف، بشرط أن تكتب منفردة مقصودًا بها ذاتها[19]، وقد نقلنا نص ابن هشام في "المغني" على ذلك، حيث قال: "ومن هنا قلت حرف التعريف "أل" فقطعت الهمزة؛ وذلك لأنك لما نقلت اللفظ من الحرفية إلى الاسمية أجريت عليه قياس همزات الأسماء".
2- أما المنقول عن اسم فنَصَّ على قطع همزته الصبَّان والخضري، وعليه ابن الطراوة، وتبعهم عباس حسن.
3- هذه النصوص واضحة في أن همزة "يوم الاثنين، وما سمي به من المصادر كـ: "ابتسام" و"ابتهال" و"اعتماد" و"امتثال"، و"انتصار" همزة وصل، أُبْقِيَتْ فيها همزة الوصل على حالها؛ لعدم نقل الكلمة من قبيل إلى قبيل، فاستصحبت ما كان ثابتًا لها قبل العَلَمِيَّة، وقد نقلنا قول إمام الصنعة على هذا حيث قال:
"ولو سميته انطلاقًا لم تقطعِ الألف؛ لأنك نقلتَ اسمًا إلى اسم".
وقال: "فإذا سميت بامرئ رجلاً تركتَه على حاله؛ لأنك نقلته من اسم إلى اسم، وصرفته؛ لأنه لا يشبه لفظه لفظ الفعل".
• والخلاصة:
أن الأسماء لا يجوز لك أن تقطعها إذا سميت بها؛ لأنه إنما جاز لك القطع في الأفعال، والحروف، دون الأسماء؛ لأن الأفعال والحروف إذا سمي بهما، خرجا إلى حيِّز الأسماء، فأصبح يجري عليهما أحكامها، والأصل في الأسماء القطع كما تقدم.
أما الأسماء، فإن التسمية بها لا تؤثِّر في اسميتها شيئًا؛ إذ هي أسماء قبل التسمية وبعدها، غير أنها كانت منكَّرةً، فأصبحت معرفةً، وهذا لا يُسيغ الحمل على الغالب في الأسماء؛ لأنها استحقت النادر أولاً، وهو الوصل، فإذاعرَّفْتَها، لم يكن تعريفك لها سالبًا لها هذا الاستحقاق، ولا رافعًا عنها هذا الحكم، ولم يمكنهم أن يتجرؤوا عليها كما تجرؤوا على الأفعال والحروف؛ إذ كانت الأفعال والحروف قد انتقلت من ديارها وموطنها إلى الأسماء، والداخل على قوم ليس منهم يتجرؤون عليه ما لا يتجرؤون على مَنْ هو منهم، ولا يغفرون له مايغفرونه للآخر؛ كما قال خالد بن نضلة:
إذا كنتَ في قوم عدًى لستَ منهم
فَكُلْ ما عُلِفْتَ من خبيثٍ وطَيِّبِ
أما الأسماء، فامتنعت منهم؛ لمكانها من القرابة التي تدلي بها، ولو ساغ لهم أن يقطعوا همزتها حملاً على الغالب، لوجب هذا قبل النقل، وهذا لا يجوز كما هو معلوم.[20]
والله تعالى أعلم بالصواب.
وبعد:
فهذا جهد المقل، أرجو فيه الثواب والمغفرة من رب الأرض والسموات، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وله المن والفضل، وما كان فيه من خطأ أو خطل أو زَلل، فَمِنْ نفسي ومن الشيطان، فأسأل الله أن يأجُرَني على غُنمه، وأن يغفر لي غُرمَه، وأن يرزقني الإخلاص والسداد في القول والعمل، وفي السر والعلن؛ إنه ولي ذلك والقادرُ عليه، وهو المستعان ونعم الوكيل.
"وإِنْ يَشَأْ يُبارِك على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّعِ".
والحمد لله رب العالمين.
.