مجمع اللغة العربية بمكة يطلق عضوياته الجديدة
لطلب العضوية:
اضغط هنا

لمتابعة قناة المجمع على اليوتيوب اضغط هنا

 


الانتقال للخلف   منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية > ركن المجمعيين ( أعضاء المجمع ) > مشاركات وتحقيقات لغوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عبدالرحمن السليمان
 
عبدالرحمن السليمان
عضو نشيط

عبدالرحمن السليمان غير موجود حالياً

       
رقم العضوية : 541
تاريخ التسجيل : Apr 2013
مكان الإقامة : بلجيكا
عدد المشاركات : 311
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
جهات الاتصال :
افتراضي دعوى الأصول الآرامية للقرآن الكريم

كُتب : [ 09-20-2016 - 09:15 PM ]


دعوى الأصول الآرامية للقرآن الكريم

كثر في الآونة الأخيرة الكلام الذي يزعم أصحابه فيه أن العربية مشتقة من الآرامية/السريانية وأن القرآن الكريم لا يفهم إلا من خلال الآرامية/السريانية. وقد صاغ شخص مجهول يحمل الاسم الوهمي كريستوفر لوكسمبورج هذا الكلام في شكل كتاب يروج له كله أو بعضه مجموعة من أصحاب الجدل الديني في بعض القنوات والمواقع.

وكان آخر المروجين لهذا الكلام الشاب السعودي لؤي الشريف في كلمة له على (السنابات) أثارت زوبعة كبيرة في الخليج العربي وربما خارجه وشككت طائفة من الشباب في اللغة العربية والقرآن الكريم.

نفتتح هذه الصفحة للنظر في هذه الدعوى: دعوى أمومة الآرامية/السريانية للعربية من جهة، ودعوى تفسير القرآن الكريم من خلال السريانية من جهة أخرى. وندعو الزملاء والزميلات المتخصصين في اللغات الجزيرية إلى المشاركة في هذه الصفحة.

كلام المدعو لؤي الشريف:

توقيع : عبدالرحمن السليمان

أ. د. عبدالرحمن السليمان
الجمعية الدولية لمترجمي العربية
www.atinternational.org

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
عبدالرحمن السليمان
عضو نشيط
الصورة الرمزية عبدالرحمن السليمان
رقم العضوية : 541
تاريخ التسجيل : Apr 2013
مكان الإقامة : بلجيكا
عدد المشاركات : 311
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

عبدالرحمن السليمان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 09-20-2016 - 09:20 PM ]


فندنا في دراسة لنا دعوى أخذ العرب الحركات عن السريان هذه والتي لم يزعمها سرياني قط قبل عصر الإنترنت في مقالة نشرناها سنة 2005 بعنوان "في أصالة النحو العربي" جاء فيها:

ولا يعتد في هذا السياق بما نقل فؤاد حنا ترزي (1) عن مقال لأنيس فريحة في أثر لغويي السريان في وضع قواعد الصرف والنحو العربيين من كلام مفاده أن الأسقف يوسف الرهاوي الراحل سنة 708 للميلاد أسهم في الدراسات النحوية السريانية ووضع نظام الحركات السرياني ذا النقط، وأن أبا الأسود كان معاصرًا له وأنه أخذ نظام التنقيط والحركات العربيين عنه. وبما أن علم النحو العربي يختلف كثيرًا عن علم النحو اليوناني، فقد اعتبر الكثيرون من الباحثين الأجانب علم النحو علمًا عربيًا أصيلاً نبت في أرض العرب "كما تنبت الشجرة في أرضها".(2) ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا المستشرق ميركس الذي زعم سنة 1889 أن النحو العربي مؤسس وفق منطق أرسطو.(3) لم يأخذ أحد من المستشرقين كلام ميركس بعين الاعتبار لسببين اثنين. الأول: وفاة الخليل وسيبويه قبل نقل منطق أرسطو إلى العربية. والثاني: قلة التشابه، بل انعدامه، بين النحو العربي والنحو اليوناني. (4) ولما استحال إثبات التأثير اليوناني المباشر على النحو العربي، افترض بعضهم التأثير غير المباشر عليه أي عن طريق السريان الذين اتصلوا قبل العرب باليونان وعلومهم. فزعم ميركس أن حنين بن إسحاق كان قد ألف كتابًا في النحو العربي على الطريقة اليونانية، وأن حنين كان معاصرًا للخليل بن أحمد وأن هذا الأخير أخذ عنه. (5) وهذا افتراء لأن مصدرًا واحدًا لم يذكر ذلك غير ميركس الذي لم يذكر في كتابه المصدر الذي أخذ هذه المعلومة المختلقة منه.

لا تتطلب مناقشة هذه الأقوال وتفنيدها كثير جهد لأن الوهن باد فيها، فكلام ميركس عن كتاب لحنين بن إسحاق في النحو العربي على الطريقة اليونانية محض افتراء، وأبو الأسود الدؤلي توفي سنة 688 أي قبل وفاة الأسقف يعقوب الرهاوي بعشرين سنة. فلم لا يكون الرهاوي هو الذي أخذ نظام الحركات عن أبي الأسود؟ ولماذا لم يفعل السريان ذلك، وهم أقدم تدوينًا للغتهم من عرب الشمال، إلا على زمان أبي الأسود الدؤلي؟ إن في نسبة وضع الحركات السريانية للأسقف يعقوب الرهاوي دليلاً على أنه أخذها عن أبي الأسود وليس العكس لأن في هذا التاريخ ما يثبت أن أبا الأسود كان سباقًا في الوضع وأن السريان ما كانوا يفكرون في ذلك قبل أبي الأسود، تمامًا مثل اليهود المسوريين الذين أخذوا نظامي الإعجام والحركات عن العرب في الوقت ذاته (حوالي 725)، مع فارق أن اليهود يقرون بذلك بصريح العبارة.(6) والآرامية كانت في ذلك الحين اللغة التي كان اليهود يتكلمون بها قبل استعرابهم، فعلى نطقها اعتمدوا في ضبط أصوات نص التوراة الذي توارثوه دون رواية أو إسناد (7)، لأنهم ما كانوا يعرفون وقتها كيف كان نص التوراة يلفظ؛ لذلك اعتمدوا في تشكيلهم النص العبري للتوراة على النطق الآرامي. ولو كان لدى السريان نظام حركات وقتها لأخذه اليهود عنهم خصوصًا وأن الآرامية كانت اللغة التي يتحدثون بها قبل استعرابهم في القرن الثامن والتاسع الميلاديين. ثم إن من الثابت أن اللغة السريانية تكتب بكتابتين هما كتابة "السِّرطُو" (= السطر) وكتابة "الإسترانجيلو" (= [الكتابة] المستديرة). ومن المعروف أن السريان الذين يستعملون كتابة "السِّرطُو" قد شكَّلوها بالحركات اليونانية فأصبحت كتابتهم خليطًا من حروف جزيرية ساكنة وحروف يونانية صائتة. فلو كان للسريان الذين يستعملون كتابة "السرطو" عهدٌ بحركات وضعها إخوانهم الذين يستعملون كتابة "الإسترانجيلو"، التي تشكل بالنقط، لأخذوها عنهم بدلاً من إقحام الأحرف اليونانية في أبجديتهم الجزيرية التي خسرت خصوصيتها الثقافية بعد ذلك الإقحام. (8)

ويذهب أنيس فريحة إلى أبعد من ذلك ويتبعه في خلطه فؤاد حنا ترزي دونما أي تحقيق، فيقارن بين المصطلحات النحوية السريانية ومثيلاتها العربية، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن العرب أخذوا مصطلحاتهم عن السريان لأنها تدل على المفاهيم ذاتها. مثال:

المصطلح السرياني = النقحرة = المصطلح العربي

ܫܡܐ ܖܝ ܥܒܕܐ = شِما ذِي عَبْدا = اسم الفاعل
ܡܠܘܬܘܬܐ = مَلُّوثُوثا = الإضافة
ܫܡܐ ܖܐ ܙܒܢܬܐ = شِما ذا زْبَنْتا = اسم المرة
ܫܡܐܗܐ = شُمّاها = الصفة
ܡܠܝܬܐ = مِلِّيثا = الفعل

إذن يعتبر أنيس فريحة وجود معاني اسم الفاعل والإضافة واسم المرة والصفة والفعل في العربية دليلاً على تأثير النحوي السرياني في النحو العربي لمجرد ورودها فيه! فماذا نقول عن اللغات التي توجد هذه المصطلحات فيها قبل السريان وبعدهم؟ هل نقيس على منطق أنيس فريحة الأعوج ونقول إنها متأثرة بالنحو السرياني؟ هل نقول إن المقابلات اللاتينية للمصطلحات أعلاه (باطراد: participium activum, status constructus, nomen unitatis, adiectivum, verbum) من السريانية أيضًا؟ وهل نقول إنها في الهولندية، على سبيل المثال لا الحصر، من السريانية أيضًا، لأن هذه المصطلحات موجودة في الهولندية أيضًا؟ إن من يزعم زعمـًا كهذا مثل مَن يزعم أن كلمة "أم" عربية وجمعها على "أمهات" سرياني بسبب إضافة /الهاء/ في الجمع، (9) ناسيًا أنه لا توجد لغة على وجه البسيطة يستعير أصحابها كلمات بدائية مثل "أب" و"أم" و"أخ" من لغة أخرى، وجاهلاً أن إضافة الهاء في بعض حالات الجمع ظاهرة جزيرية عامة وليست مخصوصة بلغة جزيرية دون غيرها. ونحن إذا التمسنا العذر للأب رافائيل نخلة اليسوعي صاحب المقولة الأخيرة لأنه رجل دين تراكمت لديه تراكمات ثقافية معينة استغلها في بعض الكتابات الطريفة التي يورد فيها ما تراكم لديه من معلومات "على البركة" أي دون إعمال للتأمل العلمي ولآليات البحث الجاد في ما يورد، فإننا في الوقت نفسه لا نستطيع فهم الخلط الشديد الذي يأتي به أنيس فريحة ويورده على علاته فؤاد حنا ترزي وهو أستاذ جامعي .. هذا خلط أنتج آراء فاسدة لا يقول بها عالم بأصول علم اللغة المقارن لأنها آراء مبنية على التخمين والأحكام المسبقة وربما الشعوبية المبطنة، مثل تخمين من ظن أن الخليل بن أحمد الفراهيدي أخذ ترتيبه الصوتي لكتاب العين عن الهنود فقط لأن معجمه لا يعتمد الترتيب الألفبائي المعهود، مثل أبجدية "ديفاناجاري" الهندية التي لا تعتمد الترتيب الألفبائي المعهود أيضًا، وهو التخمين الذي ما تجاوز قط "كونه خاطرة" (10) لم يلتفت إليها أحد لأنها تفتقر إلى أي أساس علمي، فضلاً عن أن معجم الخليل أقدم معجم في التاريخ. (11)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ

الحواشي:

(1) انظر فؤاد حنا ترزي (110:1969)
(2) محاضرات الأستاذ ليتمان. نقلا عن أحمد أمين (بدون تاريخ)، الجزء الثاني، صفحة 292-293.
(3) انظر: Merx A. (1889).
(4) يزعم فؤاد حنا ترزي (112:1969) أن تقسيم سيبويه الكلم إلى ثلاثة أقسام يوناني لأن أفلاطون قسم الموجودات إلى ذوات (= أسماء) وأحداث (= أفعال) ولأن أرسطو أضاف إليهما قسما ثالثا هو الروابط (= الحروف). فإذا كان الأمر كذلك، لماذا قسم اليونان ومن بعدهم الرومان ومن بعدهم جميع شعوب أوروبا كلمهم إلى ثمانية أقسام؟!
(5) انظر فؤاد حنا ترزي (110:1969).
(6) قال موسى بن عزرا: "ولما استفتحت العرب جزيرة الأندلس المذكورة على القوط الغالبين على الرومانيين أصحابها بنحو ثلاثماية سنة قبل فتح العرب لها الذي كان على عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان من ملوك بني أمية من الشام سنة اثنين وتسعين لدعوتهم المسماة عندهم بالهجرة تفهمت جاليتنا بعد مدة أغراضهم ولقنت بعد لأي لسانهم وتبرعت في لغتهم وتفطنت لدقة مراميهم وتمرنت في حقيقة تصاريفهم وأشرفت على ضروب أشعارهم حتى كشف الله إليهم من سر اللغة العبرانية ونحوها واللين والانقلاب والحركة والسكون والبدل والادغام وغير ذلك من الوجوه النحوية مما قام عليه برهان الحق وعضده سلطان الصدق على يدي أبي زكريا يحيى بن داود الفاسي المنبوز بحيوج وشيعته رحمة الله عليه ما قبلته العقول بسرعة وفهمت منه ما جهلت قبل" (موسى بن عزرا، 145:2013). وقال اليروشلمي (أديب يهودي من القرن الخامس للهجرة): "وهكذا كانت اللغويون المتقدمون يعتقدون جميعهم الأفعال الثنائية والأفعال الفردية إلى أن ظهر أبو زكريا حيوج رضي الله عنه وأقام الدلايل والبراهين [على] أنه لا يوجد فعل على أقل من ثلاثة حروف، وبين سر الأحرف اللينية والأحرف المندغمة والأحرف المنقلبة فثبت الحق وبطل كل ما سواه! ثم جاء بعده الشيخ المعظم أبو الوليد مروان بن جناح ×–"ל [= رحمه الله] وزاد ذلك بيانا ووضوحا". (Munk, S. 1850:32). وكان اللغويون قبل حيوج، مثل سعيد الفيومي والفاسي القرائي صاحب كتاب "جامع الألفاظ" (معجم عبري عربي)، يعتقدون أن الأفعال المعتلة ثنائية الجذور، فشرح حيوج ذلك في كتابه "الأفعال ذات حروف اللين"، وهو مختصر فبسط ذلك مروان بن جناح في "كتاب التنقيح".
(7) مروان بن جناح (2:1866).
(8) لعل هذا المزج بين الأبجدية السريانية (السرطو) والأبجدية اليونانية هو الذي أوحى لبعض العرب في النصف الأول من القرن الماضي بمزج كهذا للتوصل إلى حل لمشكل الكتابة والطباعة آنذاك!
(9) الأب رافائيل نخلة اليسوعي (173:1959). ويرد رافائيل نحلة اليسوعي كل كلمة عربية ذات أصل جزيري إلى السريانية لأنها أقدم تدوينًا من العربية. وهذا مذهب فاسد لأنه يقتضي بالمنطق رد جميع الكلمات السريانية ذات الأصول الجزيرية إلى العبرية لأن العبرية أقدم تدوينًا من السريانية! كما يجوز وفقا لذلك المذهب رد العبرية إلى الأكدية وهلم جرًا.
(10) انظر (Versteegh K. en Schippers A. 1987:71).
(11) انظر Haywood J.A. (1960).

توقيع : عبدالرحمن السليمان

أ. د. عبدالرحمن السليمان
الجمعية الدولية لمترجمي العربية
www.atinternational.org

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
عبدالرحمن السليمان
عضو نشيط
الصورة الرمزية عبدالرحمن السليمان
رقم العضوية : 541
تاريخ التسجيل : Apr 2013
مكان الإقامة : بلجيكا
عدد المشاركات : 311
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

عبدالرحمن السليمان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 09-20-2016 - 09:26 PM ]


تفسيره لفواتح السور من الكلمات المقطعة من الآرامية باطل لسبب بسيط هو أن المعاني التي نسبها إلى الآرامية/السريانية أو العبرية ليست آرامية ولا عبرية بل فينيقية. إن أسماء الأحرف كما ذكرها فينيقية وليست آرامية ولا عبرية. ولإفادة غير المتخصصين أنقل إلى هنا نصا من مقالة لي في تاريخ الكتابة:

3. المرحلة الأبجدية

1.3. النشأة

المرحلة الثالثة والأخيرة من تاريخ الكتابة هي المرحلة الأبجدية التي سميت هكذا نسبة إلى ترتيب الحروف في الأبجدية الجزيرية الأولى وهي (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ)، وهو الترتيب الذي غيره في العربية أبو الأسود الدؤلي عند تنقيط الحروف إلى الترتيب الحالي الذي يقال فيه أيضـًا إن الخليل بن أحمد هو الذي صنع ذلك.

كانت النظرية السائدة أن الأبجدية الفينيقية اشتقت من رسوم الكتابة الهيروغليفية في منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد، إلا أن اكتشاف أبجدية أقدم منها، هي الأبجدية الأوغاريتية التي تستعمل أشكالاً مسمارية لا علاقة لها بصور الكتابة الهيروغليفية، ألغى هذا الرأي تمامـًا. فالأوغاريتيون استوحوا أشكال أبجديتهم الأوغاريتية، التي تحتوي على كل الأصوات الجزيرية القديمة (وهي ثمانية/تسعة وعشرون صوتـًا)، من الكتابة المسمارية، ولكننا لا نعرف على وجه التحديد كيف اختزلوا الكتابة المقطعية إلى الكتابة الأبجدية، بينما نستطيع أن نتابع ذلك الاختزال في الأبجدية الفينيقية، حيث قام الفينيقيون باستعمال الصور الدالة على مسميات بعينها (مثلاً: صورة الثور للدلالة على الثور؛ صورة العين للدلالة على العين؛ صورة المربع للدلالة على البيت؛ صورة الموج للدلالة على الماء وهلم جرًا) ليس للدلالة على تلك المسميات، بل للدلالة على الأصوات الأولى لتلك المسميات كما سيتضح أدناه.

يسمى "الثور" في اللغة الجزيرية الأم: /أَلْفٌ/ ـ بلفظ التنوين تَمويمـًا ـ و"البيت": /بَيْتٌ/ و"العين": /عَيْنٌ/ وهلم جرًا.

في بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد بدأ الفينيقيون يستعملون الصورة الدالة على "الثور" – وهي صورة رأس ثور مثلث الشكل بقَرنَيْن وعينَيْن – ليس للدلالة على كلمة /أَلْف/، بل للدلالة على الصوت الأول من كلمة /أَلْفٌ/ فقط، وهو حرف الألف. ثم استعملوا الصورة الدالة على "البيت" - وهي صورة مربع - ليس للدلالة على كلمة /بيتٌ/، بل للدلالة على الصوت الأول من كلمة /بيت/ فقط، وهو حرف الباء. ثم استعملوا الصورة الدالة على "العين" - وهي صورة العين - ليس للدلالة على كلمة /عَين/، بل للدلالة على الصوت الأول من كلمة /عَينٌ/ فقط، وهو حرف العين، وهكذا دواليك حتى أتوا على أصوات لغتهم، وهي اثنان وعشرون صوتـًا فقط، فجعلوا لكل صوت حرفًا.

ثم رتب الفينيقيون الأبجدية مبتدئين بحرف الألف ثم الباء ثم الجيم ثم الدال إلى آخر ترتيب أبجد هوز. ونحن لا ندري بالضبط لم رتبوا أبجديتهم هكذا، أي لم بدؤوا بالألف ولم يبدؤوا بغيره؟ وقد يكون لذلك علاقة بالمعتقدات الدينية لقدامى الكنعانيين حيث كان الثور يرمز عندهم إلى كبير آلهتهم بعل. وقد لا يعني "البيت" للجزيريين ذوي الأصول البدوية شيئًا أكثر من "المعبد" الذي يعبد فيه إلههم، ولكن هذه مجرد تكهنات.

ثم أخذ الإغريق في أوائل الألف الأول قبل الميلاد الكتابة الأبجدية عن الفينيقيين وحاولوا كتابة لغتهم فيها إلا أنهم اكتشفوا أن الأبجدية الفينيقية لا تحتوي على كل الأصوات اليونانية من جهة (خصوصـًا الحركات)، وأنها تحتوي على أصوات غير موجودة في اللغة اليونانية مثل حروف الحلق من جهة أخرى. فاستعمل اليونانيون حروف الحلق الفينيقية للدلالة على الأحرف الصائتة في اليونانية لأن الأبجديات الجزيرية لم تكن تحتوي على أحرف صائتة فيها، فاستعمل اليونان حرف العين الفينيقي للدلالة على الـ o، وحرف الحاء للدلالة حلى حرف الإيتا وهلم جرًا. ثم سمى اليونانيون نظام الكتابة التي أخذوها عن الفينيقيين بـ alfabetos، وهي "الألفباء" في العربية. أما الـ Abecedarium في اللاتينية، فهي ترجمة حرفية لـ "أبجدية".(1)

وأخيرًا نشير إلى أن الأبجديات الجزيرية لا تحتوي إلا على حروف ساكنة. إلا أن لثلاثة منها - وهي الألف والواو والياء - استعمالين اثنين الأول هو استعمالها أحرفًا ساكنة والثاني هو استعمالها أحرف مد للدلالة على الحركات الطويلة. وهذا يعني أن للغة الجزيرية الأم ثلاث حركات فقط ترد قصيرة ويعبر عنها بالفتح والضم والكسر، وطويلة ويعبر عنها بالألف والواو والياء. والعلة في عدم ورود الحركات القصيرة على شكل أحرف كما هو الحال عليه بالنسبة إلى حروف المد، هو القاعدة الجزيرية العامة التي تحول دون ابتداء كلمة جزيرية بحركة أو بحرف ساكن. وإذا عرفنا أن الأبجدية الجزيرية اشتقت من الأصوات الأولى لكلمات جزيرية بعينها كما أبنا أعلاه، فهمنا جيدًا السبب في عدم احتواء الأبجديات الجزيرية أحرفـًا تدل على الحركات الثلاث القصيرة لأن ذلك غير موجود في أوائل كلامهم.

فقول لؤي الشريف إن للحروف الآرامية معاني إذن باطل لجهله المدقع بتاريخ الأبجدية وأسماء الحروف التي هي فينيقية أصلا وفصلا. ولا علاقة للآراميين ولا لليهود بها سوى أنهم أخذوها عن الفينيقيين هي وأسماءها معها. وبما أن أسماء الأحرف الفينيقية مشتقة من كلمات فينيقية لها ما يجانسها تأثيليا في اللغات الجزيرية الأخرى كالعربية والعبرية والآرامية كالبيت والعين والنون، فلا يمكن للآرامي أو العبري توظيف معانيها في الآرامية أو العبرية لغايات تفسيرية ذلك لأنها، أي أسماء الحروف الفينيقية، إنما هي أسماء لكلمات بعينها بالفينيقية لا بالآرامية أو العبرية. وعليه فإن الادعاء بآرامية أسماء الحروف في الآرامية أو بعبريتها في العبرية ادعاء كاذب جملة وتفصيلا نتيجة لجهل صاحبه بتاريخ الكتابة، والاستشهاد به باطل جملة وتفصيلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ

(1) وللثور وظيفة أخرى تتعلق بالكتابة .. فالثور يفلح الأرض من اليمين إلى اليسار ثم من اليسار إلى اليمين وهلم جرًا. ومن طريقته في فلاحة الأرض اشتقت الكلمة للدلالة على طريقة الأوائل (ومنهم اليونان وعرب الجنوب) في الكتابة، أي من اليمين إلى اليسار ثم من اليسار إلى اليمين، وهي Boustrophedon، ومعناها "كفلاحة الثور". إن أكثرية النقوش اليمنية المدونة بخط المسند مكتوبة هكذا "كفلاحة الثور".



توقيع : عبدالرحمن السليمان

أ. د. عبدالرحمن السليمان
الجمعية الدولية لمترجمي العربية
www.atinternational.org

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
عبدالرحمن السليمان
عضو نشيط
الصورة الرمزية عبدالرحمن السليمان
رقم العضوية : 541
تاريخ التسجيل : Apr 2013
مكان الإقامة : بلجيكا
عدد المشاركات : 311
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

عبدالرحمن السليمان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 09-20-2016 - 09:34 PM ]


حتى عصر الإنترنت، وباستثناء بعض الجهلة في مواقع "العشرة بقرش"، لم نسمع لأحد من علماء السريان أو اليهود إلا الكلام الحق في العربية وآدابها. وجميع علماء اليهود والسريان يقرون بصريح العبارة بفضل العربية وتفوقها على العبرية والآرامية/السريانية. ولم يحل الخلاف الديني بله الحروب بين المسلمين والنصارى واليهود عبر القرون دون قول الحق .. لقد أشار حكماء اليهود والنصارى، على اختلاف طوائفهم وفرقهم، إلى فضل العربية وآدابها وإلى ضرورة تفسير ما غمض من اللسان العبراني والآرامي والبابلي والفينيقي وسائر الألسن الجزيرية من العربية لأن العربية أغنى من هذه اللغات مجتمعة ولآن آدابها أغنى من الآداب الجزيرية مجتمعة. وعجبي لا ينقضي من المدعو (صوما) الذي يقول إن الأدب العربي ليس بشيء قياسا بالأدب السرياني، وهو يقصد الكم لا النوع. وهذا كذب في وضح النهار، إذ أين هو الأدب السرياني؟ إن أهم عمل دون بالسريانية هو الإنجيل، والأصل السرياني للإنجيل مفقود. والإنجيل السرياني الحالي إنما هو ترجمة عن الإنجيل اليوناني الذي هو بدوره ترجمة عن إنجيل سرياني مفقود .. والأدب السرياني معظمه جدل ديني .. ونحن لا نعرف عملا أدبيا سريانيا واحدا ترجم إلى لغات عالمية وكتب له الانتشار. ومن يعرف ذلك يدلني عليه مشكورا.

سأنشر في هذه الصفحة طائفة من شهادات حكماء اليهود والسريان في العربية وآدابها. وأنا أقصد بالحكماء علماء اليهود والسريان المبجلين عندهم المشهود لهم المشار إليهم بالبنان .. كما سأعرف بالتقليد السائد في الدراسات الكتابية (نسبة إلى كتابي العهد القديم والجديد) ألا وهو الاعتماد على العربية في تفسير ما غمض من كتب اليهود والنصارى، على أيدي علمائهم الأقدمين والمحدثين.

يقول النحوي السرياني أقليميس يوسف داود مطران دمشق على السريان في كتابه (اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية): "وأشهر اللغات السامية هي العربية والعبرانية والسريانية والحبشية بفروعهن الكثيرة [..] وإنما ذكرنا العربية أولا بين اللغات السامية لأن العربية باعتراف جميع المحققين هي أشرف اللغات السامية من حيث هي لغة وأقدمهن وأغناهن. ومعرفتها لازمة لمن يريد أن يتقن [إتقانا] حسنا معرفة سائر اللغات السامية ولا سيما السريانية". ويضيف: "ثم إننا لا نعتقد أن الآرامية هي أقدم اللغات السامية كما زعم قوم، وأقل من ذلك أنها أقدم لغات العالم كما زعم غيرهم بلا بينة ولا أساس. بل نثبت مع العلماء المحققين أن اللغة العربية هي التي تقرب إلى أم اللغات السامية أكثر من أخواتها".

المصدر: داود، أقليميس يوسف (1896). اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية. الموصل، مطبعة دير الآباء الدومنيكيين. الصفحة 10 و13. والكتاب متاح في الإنترنت ويمكن تنزيله على شكل PDF.

قال (جاحظ اليهود) وكبير أدبائهم موسى بن عزرا (القرن الثاني عشر) عن ثراء اللغة العربية التي كان يفسر التوراة منها:

"ومع اقتدار هذه القبيلة [= العرب] على المقالة وسعة بيانها في الخطاب، شنت الغارة على كثير من اللغات وعربتها وانتحلتها بظهور الكلمة وعظم السلطان وغلبتها على ملك فارس بخراسان وعلى ملك الروم في الشام وعلى ملك القبط في مصر. فاتسع نطاقها وفشت المعارف في أقطارها وآفاقها وترجمت جميع العلوم القديمة والحديثة وانتحلتها وزادتها شرحًا وبيانًا؛ فما ألف وترجم في ملة من العلوم ما ألف وترجم في هذه الملة بما وهبت من سعة اللغة، ورزقت من فضل الخطاب".

المصدر: موسى بن عزرا (2013). كتاب المحاضرة والمذاكرة. تحقيق أحمد شحلان والسعدية المنتصر. الرباط، مطبعة الرسالة. الصفحة 112.

وقال عن اعتماد اليهود في درس لغتهم على مناهج العرب ما يلي:

"ولما استفتحت العرب جزيرة الأندلس المذكورة على القوط الغالبين على الرومانيين أصحابها بنحو ثلاثماية سنة قبل فتح العرب لها الذي كان على عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان من ملوك بني أمية من الشام سنة اثنين وتسعين لدعوتهم المسماة عندهم بالهجرة تفهمت جاليتنا بعد مدة أغراضهم ولقنت بعد لأي لسانهم وتبرعت في لغتهم وتفطنت لدقة مراميهم وتمرنت في حقيقة تصاريفهم وأشرفت على ضروب أشعارهم حتى كشف الله إليهم من سر اللغة العبرانية ونحوها واللين والانقلاب والحركة والسكون والبدل والادغام وغير ذلك من الوجوه النحوية مما قام عليه برهان الحق وعضده سلطان الصدق على يدي أبي زكريا يحيى بن داود الفاسي المنبوز بحيوج وشيعته رحمة الله عليه ما قبلته العقول بسرعة وفهمت منه ما جهلت قبل". نفس المصدر، الصفحة 145.

ولخص موسى بن عزرا تفوق العرب في الشعر على غيرهم من الأمم كما يلي: "الشعر عند بني إسماعيل [= العرب] طبع، وعند سائر الأمم تطبع"! (المصدر ذاته).

ويقول الأديب اليهودي الكبير يهودا الحريزي (الحريزي بالزاي: صاحب المقامات العبرية المشهورة بـ: "تَحْكِمُوني"، التي حاكى فيها الهمذاني في مقاماته) في (مقامة الشعر):

דעו כי השיר הנפלא... היה בתהלה לבני ערב לנהלה.

"اعلموا أن الشعر العجيب كان منذ البداية مُلكاً للعريب"!

ويقول عن أشعار الأمم الأخرى ما يلي:

כל שיריהם לנגד שירי הישמעאלים לא לעזר ולא להועיל.
إن أشعارهم ليست بشيء مقارنة بأشعار بني إسماعيل[= العرب]".

المصدر: Reichert V.E., The Tahkemoni of Judah al-Harizi. Jeruzalem, Cohen Publishers, 1973.

قال كبير المستشرقين الأوربيين في القرن السايع عشر ألبيرت شخولتنس (Albert Schultens) مقارناً حالة الشاعر العربي الجيدة بحالة الشاعر الغربي التعيسة: "إن الكرم العربي يحول دون شقاء الشاعر" .. ويرد شخولتنز تفوق العرب في الشعر على سائر الأمم إلى غنى اللغة العربية وموسيقاها العذبة. يقول في إحدى خطبه: "لا بد من أخذ غنى اللغة العربية الفاحش بعين الحسبان [عند مقارنة الشعر العربي بغيره] (النص باللاتينية: Attendo porro ad incredibilem Arabicae Linguae copiam)".

المصدر:
J.C. Wenckebach (ed.), Drie redevoeringen van Hendrik Albert Schultens. Leeuwarden, 1845. "ثلاث خطب [باللاتينية] لألبيرت شخولتنس". صفحة 10.

أما المستشرق الهولندي الكبير ولميت صاحب المعجم العربي اللاتيني الشهير فيقول في محاضرة بعنوان "ذوق العرب الجمالي"، وبالأخص عند حديثه عن أبي العلاء المعري: "انظر ما أروع العرب، وما أعظم عبقريتهم"! (Tanta est Ingenii! Tanta Phantasiae Arabum). وكان ولميت يرد في خطبته هذه على أحد النقاد الأدبيين (من غير المستعربين) ـ وهو الناقد وايرز ـ الذي كتب سنة 1845 قائلاً: "إن من يبحث عن شعر رفيع عند العرب شخص يضيع وقته فيما هو غير مفيد"!

J. De Roos e.a., Driehonderd Jaar Oosterse Talen in Amsterdam. Amsterdam, 1986. P. 60.
"ثلاثمائة سنة لغات شرقية في أمستردام". صفحة 60.


والقائمة طويلة جدا!

فهؤلاء أدباء السريان واليهود ولغويوهم يعدلون في حكمهم رغم الخلاف الديني - وهذا لعمري يحسب لهم - ثم يأتي من صبياننا الطائشين من يزعم العكس وهو لا يعرف كوعه من بوعه لا في العربية، ولا في السريانية التي يخلط بينها وبين العبرية بطريقة فاضحة له عند المتخصصين، إذ يقول: "آرامية" ثم يستشهد بالعبرية! ولقد ثبت عندي بالدليل القاطع أنه لا يعرف الفرق بينهما!

توقيع : عبدالرحمن السليمان

أ. د. عبدالرحمن السليمان
الجمعية الدولية لمترجمي العربية
www.atinternational.org

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 5 )
عبدالله بنعلي
عضو نشيط
رقم العضوية : 1630
تاريخ التسجيل : Apr 2014
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 6,053
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

عبدالله بنعلي غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 09-21-2016 - 09:43 AM ]


التخصص العلمي هو الفيصل دائما
شكرا للعلامة عبدالرحمن السليمان على تصحيح المنهج وتوضيح السبيل وكشف الغطاء وإنارة الطريق


رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
عبدالرحمن السليمان
عضو نشيط
الصورة الرمزية عبدالرحمن السليمان
رقم العضوية : 541
تاريخ التسجيل : Apr 2013
مكان الإقامة : بلجيكا
عدد المشاركات : 311
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

عبدالرحمن السليمان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 09-21-2016 - 11:53 AM ]


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله بنعلي مشاهدة المشاركة
التخصص العلمي هو الفيصل دائما
شكرا للعلامة عبدالرحمن السليمان على تصحيح المنهج وتوضيح السبيل وكشف الغطاء وإنارة الطريق
شكرا جزيلا أخي الأستاذ عبدالله بنعلي على حسن ظنك بي: لست علامة ولا نصف علامة، إنما طالب علم!

تحياتي الطيبة.

توقيع : عبدالرحمن السليمان

أ. د. عبدالرحمن السليمان
الجمعية الدولية لمترجمي العربية
www.atinternational.org

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 7 )
عبدالرحمن السليمان
عضو نشيط
الصورة الرمزية عبدالرحمن السليمان
رقم العضوية : 541
تاريخ التسجيل : Apr 2013
مكان الإقامة : بلجيكا
عدد المشاركات : 311
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

عبدالرحمن السليمان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 09-21-2016 - 11:55 AM ]


دعوى الأصول الآرامية للقرآن الكريم مؤسسة على كتاب يحمل صاحبه اسما وهميا هو كريستوفر لوكسمورج. وأعرض أدناه لفكرته الرئيسة مقتبسا نصا من كتاب لي مخطوط:

1.3.2. كريستوفر لوكسمورج

وتتضمن نية المؤلف في ربط لغة القرآن الكريم بلغة التوراة تلميحا بأن التوراة هي مصدر القرآن الكريم. وهذا التلميح بلغ درجة التصريح في الترجمة الفرنسية التي أنجزها المترجم الفلسطيني المسيحي سامي الذيب أبو ساحلية (1) الذي يثقل ترجمته بحواش يشير فيها إلى المجانسات التأثيلية العبرية للكلمات القرآنية التي لها مجانسات تأثيلية في العبرية. والغاية الوحيدة من ذكره هذه المجانسات التأثيلية العبرية هي الإيحاء بأن العربية من العبرية. (2) وفي ذلك جهل بمبادئ لغوية لسببين بسيطين الأول هو أن المجانسات التأثيلية بين الكلمات العربية والعبرية موجودة أيضا في جميع اللغات الجزيرية. فهي موجودة، كلها أو أكثرها، في الآرامية وفي الحبشية وفي البابلية وفي الأوغاريتية وغيرها من اللغات الجزيرية لأنها من التراث اللغوي المشترك. والثاني: لا يحتج في الدراسات اللغوية التأثيلية بأسبقية التدوين. فالعبرية دونت قبل عربية الشمال، بعكس عربية الجنوب التي دونت بدورها قبل العبرية بقرون .. وهذا لا يعني أن ألفاظ عربية الشمال – عربيتنا – المشتركة مع اللغات الجزيرية الأخرى مستعارة من العبرية لأن العبرية أسبق تدوينا من عربية الشمال؛ لا أعرف باحثا واحدا يقول بذلك. ولو كانت أسبقية التدوين معيارا للحكم لوجب رد الألفاظ العبرية التي تشترك العبرية فيها مع العربية والبابلية إلى هذه الأخيرة لأنها أقدم تدوينا من العربية بألفي سنة، ولوجب رد نصف شرائع التوراة التي بأيدينا اليوم إلى شرائع بابل وعلى الأخص إلى شريعة حمورابي لأنها أقدم تدوينا من التوراة بألف سنة .. بل لقد أثبت نشر الأدب الأوغاريتي بأن كثيرا من المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلام – كما هي في العهد القديم الذي بأيدينا اليوم – مستوحاة من أدب الأوغاريتيين الذين يظن بأنهم كانوا عربا حكموا غربي سورية ابتداء من الألفية الثانية قبل الميلاد (مملكة أوغاريت أو رأس شمرا). وتعد ظاهرة الشعوبية المحدثة والشطط الحاصل في نسبة ألفاظ عربية بعينها إلى هذه اللغة الجزيرية أو تلك لأسباب تتعلق بأسبقية التدوين، ظاهرة لا يشتغل بها عالم أبدا، بل لم يشتغل بها قط سوى بعض الشعوبيين المحدثين في دنيا العرب. وأكثر من يقول بها الشعوبيون وبعض الكتاب الذين يكتبون "على البركة" مثل الأب رافائيل نخلة اليسوعي في كتابه (غرائب اللغة العربية) (3) ، حيث يرد كل كلمة عربية ذات أصل جزيري مشترك إلى السريانية لأنها أقدم تدوينا من العربية .. وهذا مذهب غير دقيق لأنه يقتضي بالمنطق رد جميع الكلمات السريانية ذات الأصول الجزيرية إلى العبرية لأن العبرية أقدم تدوينا من السريانية. كما يجوز وفقا لذلك المذهب رد العبرية إلى الأوغاريتية لأنها أسبق تدوينا من العبرية، والأوغاريتية إلى البابلية وهلم جرا. والباحث العربي الذي تفطن إلى هذا الأمر – كما ذكرنا في الدراسة الثالثة – هو الأب أنستاس ماري الكرملي الذي يقول في هذا الصدد: "ولا تكون الكلمة العربية من العبرية أو الآرامية إلا إذا كانت تلك الكلمة خاصة بشؤون بني إرم أو بني إسرائيل. أما الألفاظ العامة المشتركة بين الساميين جميعا، فليس ثم فضل لغة على لغة". (4) ثم إن البحث العلمي أثبت أن العربية الشمالية – على الرغم من أنها أحدث تدوينا من سائر اللغات الجزيرية – أقدم من سائر اللغات الجزيرية، بما في ذلك الأكادية التي دونت ابتداء من مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد، وذلك لبقائها في الجزيرة العربية – موطن الشعوب الجزيرية الأول – واحتفاظها بخصائص اللغة الجزيرية الأم حتى اليوم. ونستأنس في هذا السياق بقول النحوي السرياني أقليميس يوسف داود مطران دمشق على السريان في كتابه (اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية): "وأشهر اللغات السامية هي العربية والعبرانية والسريانية والحبشية بفروعهن الكثيرة [..] وإنما ذكرنا العربية أولا بين اللغات الجزيرية لأن العربية باعتراف جميع المحققين هي أشرف اللغات السامية من حيث هي لغة وأقدمهن وأغناهن. ومعرفتها لازمة لمن يريد أن يتقن [إتقانا] حسنا معرفة سائر اللغات السامية ولا سيما السريانية".(5) ويضيف: "ثم إننا لا نعتقد أن الآرامية هي أقدم اللغات السامية كما زعم قوم، وأقل من ذلك أنها أقدم لغات العالم كما زعم غيرهم بلا بينة ولا أساس. بل نثبت مع العلماء المحققين أن اللغة العربية هي التي تقرب إلى أم اللغات السامية أكثر من أخواتها".(6) ويقصد أقليميس يوسف داود بالعلماء المحققين المستشرقين الذين قالوا بهذا الرأي الذي ينقله، ونذكر منهم شخولتنز ونولدكة وبرغشتراسر وبروكلمان ورايت ودي لاسي الذين أثبتوا هذه الحقيقة بالدرس المقارن للغات الجزيرية. ولا قيمة ترجى من مناقشة الشطط بله اللاعلمية المطلقة في كتاب لوكسمورج، (7) لكننا نعرض بسرعة لفكرته الرئيسة وهي أن القرآن الكريم كتب بلغة هجينة عربية وسريانية قبل إدخال الإعجام والشكل في الكتابة العربية، وأن المسلمين عندما أعجموا الحروف وضبطوا النطق بالحركات اعتمدوا في ذلك على العربية فقط، وهو ما جعل المفسرين المسلمين يخطئون فهم المعاني الحقيقية للقرآن الكريم! ثم راح يفسر كل كلمة عربية في القرآن الكريم، لها ما يجانسها تأثيليا في السريانية، بأنها يحب قراءتها وفهم معناها بناء على المعنى السرياني لا العربي، علما أنه لا يذكر للقارئ ما الحكمة من مخاطبة القرآن الكريم العرب بالسريانية. وكي نمكن القارئ غير المتخصص من فهم هذا الخلط نستحضر هنا أن الكتابة العربية والسريانية والعبرية لا تحتوي إلا على حروف صامتة مهملة وأن العرب كانوا أول من أدخل نظامي الإعجام والحركات لضبط نطق القرآن الكريم، وقد قام بذلك أبو الأسود الدؤلي.(8) أخذهما عنهم اليهود(9) والسريان لضبط نطق كتابي العهد القديم بالعبرية والجديد بالسريانية علما أن العبرية كانت وقتها لغة ميتة لأكثر من ألف سنة.

ولفهم منهج لوكسمبورج نمثل بكلمة (لحم) في اللغات الجزيرية، فلقد وردت الكلمة في الأكادية/البابلية كما يلي: /لِيم(م)/ (وأصلها: لحم(م) لأن الكتابة المسمارية لا تظهر الحاء) ومعناها: "ذوق"؛ وفي الأوغاريتية: /لَحْم/ "خبز، طعام"؛ وفي السريانية: ܠܚܡܐ = /لَحْما/ "خبز، طعام"؛ وفي العبرية: לחם /لِحِم/ "خبز، طعام"؛ وأخيرا في العربية: /لَحم:/ "اللحم". يتضح جليا من النظر في هذا الجذر ومن الاستقراء الأولي له أنه يعني في هذه اللغات "الطعام" بمعنى: "مادة الغذاء الرئيسية"، وكان هذا "الطعام" عند أوائل الجزيريين "اللحم" لأنهم كانوا بدوا، والبدوي يصطاد ويشوي ويأكل كما هو معلوم، ولا يزرع القمح أو يعالجه خبزا. وتحول مفهوم هذه الكلمة الدلالي نتيجة لتطور حياة الجزيريين الاجتماعية، فدل عند قوم على "اللحم"، وعند قوم على "الخبز".(10) فالآراميون والعبران تمدنوا قبل عموم عرب الشمال (تحضر عرب الجنوب قبل عرب الشمال بقرون كثيرة)، وانتقلوا من حياة البداوة والصيد إلى حياة الاستقرار والفلاحة، فتطور مفهوم /لحم/ - الذي كان يدل عندهم على المادة الغذائية الرئيسية - من /لحم/ إلى /خبز/ كما يبدو جليا.

والشاهد في هذه الكلمة هو أن هذه اللغات – باستثناء البابلية – لم تكن تدون الأحرف الصائتة في الكتابة قبل أبي الأسود الدؤلي وبالتالي فإن أحدا سوى العرب والسريان لا يعرف كيف كانت هذه الكلمة تنطق لأن الكتابات العربية والسريانية والعبرية ترسمها هكذا (لحم) بدون حركات. من جهة أخرى: تتفرد العربية بمعنى "اللحم" فيها بينما تعني الكلمة في العبرية والسريانية "الخبز".(11) والشاهد هنا هو أننا إذا أردنا تطبيق منهج لوكسمورج الغريب لقرأنا (لحم) العبرية وفق النطق العربي لها (هكذا: لَحْمٌ) وليس وفقا للنطق العبري لها (هكذا: لِحِم) ولقلنا إن معناها "اللحم" وليس "الخبز" كما يرى أحبار اليهود ونخطئهم جميعا بجرة قلم كما يفعل لوكسمبورج مع علماء المسلمين بناء على استغلال كهذا للقرابة اللغوية بين اللغتين العربية والسريانية .. وهذا خلط لم يهتم به أي باحث في الغرب مستعربا أكان أم من علماء التوراة لأنه غير مؤسس على علم. والاهتمام الوحيد بالكتاب كان من بعض وسائل الإعلام لا غير لأن فيه استغلالا للعلم وتوظيفا له للوصول إلى نتائج لا تصمد أمام النقد لضعفها.

----------------

الإحالات:

(1) انظر Aldeeb Samy (2008).
(2) وهو بذلك يسير على خطى المترجم اليهودي هارون بن شيمش (بن شيمش، 1970) الذي يذكر في الحواشي لترجمته العبرية للقرآن الكريم ما يوازي محتوى القرآن الكريم من محتوى ديني موجود في أسفار العهد القديم أو في التراث الديني اليهودي من مشناه وتلمود وغيرهما. وهذا من أثر الحكم المسبق الذي نشأ في الغرب في العصور الوسطى عن أصل الإسلام والقرآن الكريم والذي لا يزال أثره حتى اليوم قائما بطرق أخرى تتجلى في صنيع بن شيمش وريفلين وسامي الذيب أبو ساحلية ولوكسمبورج وغيرهم.
(3) انظر: رافائيل نخلة اليسوعي (1959).
(4) انظر (الكرملي 1938) الصفحة 10.
(5) انظر (داود 1896)، الصفحة 10.
(6) انظر (داود 1896)، الصفحة 13.
(7) انظر Luxenberg, Christoph (2000) وLuxenberg, Christoph (2007).
(8) عالجنا موضوع إدخال العرب لنظامي الإعجام والحركات في الكتابة العربية على زمان أبي الأسود الدؤلي واستعارة السريان واليهود هذين النظامين وإدخالهما في السريانية والعبرية في الدراسة الثانية في هذا للكتاب فنحيل عليها.
(9) انظر الدراسة الثانية في هذا للكتاب.
(10) يختلف "الطعام الأساسي" في العربية اليوم باختلاف التقاليد المحلية، فهو عند المصريين "الخبز أو العِيش"، وهو عند المغاربة "الطعام أو الكُسكُس" المصنوع من دقيق القمح الخ.
(11) أما مجيئها في سفر أيوب بمعنى "اللحم" לחום /لِحُوم/ "لحم"؛ سفر أيوب الإصحاح 20 الآية 23) فلا يعتد به لأن ثمة توجها في الدراسات التوراتية يعتبر سفر أيوب دون بالعربية أولا ثم ترجم فيما بعد إلى العبرية وذلك لكثر الألفاظ العربية الدخيلة فيه.


توقيع : عبدالرحمن السليمان

أ. د. عبدالرحمن السليمان
الجمعية الدولية لمترجمي العربية
www.atinternational.org

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحمن السليمان ; 09-21-2016 الساعة 12:00 PM

رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على الموضوعات
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الموضوعات المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
الختمة النحوية للقرآن الكريم شمس البحوث و المقالات 0 03-25-2018 07:31 PM
دعاوى الأصول الآرامية/السريانية للغة العربية وللقرآن الكريم عبدالرحمن السليمان مقالات أعضاء المجمع 3 03-24-2018 08:24 PM
الصين تنشر مخطوطة للقرآن الكريم عمرها 800 سنة مصطفى شعبان أخبار ومناسبات لغوية 0 05-07-2017 06:07 AM
الإعراب التفصيلي للقرآن الكريم سورة الشرح نموذجًا = د. أسماء عبد الكريم خليفة محمود عبد الصمد دراسات وبحوث لغوية 0 03-18-2017 05:58 AM


الساعة الآن 02:03 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by