حتى عصر الإنترنت، وباستثناء بعض الجهلة في مواقع "العشرة بقرش"، لم نسمع لأحد من علماء السريان أو اليهود إلا الكلام الحق في العربية وآدابها. وجميع علماء اليهود والسريان يقرون بصريح العبارة بفضل العربية وتفوقها على العبرية والآرامية/السريانية. ولم يحل الخلاف الديني بله الحروب بين المسلمين والنصارى واليهود عبر القرون دون قول الحق .. لقد أشار حكماء اليهود والنصارى، على اختلاف طوائفهم وفرقهم، إلى فضل العربية وآدابها وإلى ضرورة تفسير ما غمض من اللسان العبراني والآرامي والبابلي والفينيقي وسائر الألسن الجزيرية من العربية لأن العربية أغنى من هذه اللغات مجتمعة ولآن آدابها أغنى من الآداب الجزيرية مجتمعة. وعجبي لا ينقضي من المدعو (صوما) الذي يقول إن الأدب العربي ليس بشيء قياسا بالأدب السرياني، وهو يقصد الكم لا النوع. وهذا كذب في وضح النهار، إذ أين هو الأدب السرياني؟ إن أهم عمل دون بالسريانية هو الإنجيل، والأصل السرياني للإنجيل مفقود. والإنجيل السرياني الحالي إنما هو ترجمة عن الإنجيل اليوناني الذي هو بدوره ترجمة عن إنجيل سرياني مفقود .. والأدب السرياني معظمه جدل ديني .. ونحن لا نعرف عملا أدبيا سريانيا واحدا ترجم إلى لغات عالمية وكتب له الانتشار. ومن يعرف ذلك يدلني عليه مشكورا.
سأنشر في هذه الصفحة طائفة من شهادات حكماء اليهود والسريان في العربية وآدابها. وأنا أقصد بالحكماء علماء اليهود والسريان المبجلين عندهم المشهود لهم المشار إليهم بالبنان .. كما سأعرف بالتقليد السائد في الدراسات الكتابية (نسبة إلى كتابي العهد القديم والجديد) ألا وهو الاعتماد على العربية في تفسير ما غمض من كتب اليهود والنصارى، على أيدي علمائهم الأقدمين والمحدثين.
يقول النحوي السرياني أقليميس يوسف داود مطران دمشق على السريان في كتابه (اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية): "وأشهر اللغات السامية هي العربية والعبرانية والسريانية والحبشية بفروعهن الكثيرة [..] وإنما ذكرنا العربية أولا بين اللغات السامية لأن العربية باعتراف جميع المحققين هي أشرف اللغات السامية من حيث هي لغة وأقدمهن وأغناهن. ومعرفتها لازمة لمن يريد أن يتقن [إتقانا] حسنا معرفة سائر اللغات السامية ولا سيما السريانية". ويضيف: "ثم إننا لا نعتقد أن الآرامية هي أقدم اللغات السامية كما زعم قوم، وأقل من ذلك أنها أقدم لغات العالم كما زعم غيرهم بلا بينة ولا أساس. بل نثبت مع العلماء المحققين أن اللغة العربية هي التي تقرب إلى أم اللغات السامية أكثر من أخواتها".
المصدر: داود، أقليميس يوسف (1896). اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية. الموصل، مطبعة دير الآباء الدومنيكيين. الصفحة 10 و13. والكتاب متاح في الإنترنت ويمكن تنزيله على شكل PDF.
قال (جاحظ اليهود) وكبير أدبائهم موسى بن عزرا (القرن الثاني عشر) عن ثراء اللغة العربية التي كان يفسر التوراة منها:
"ومع اقتدار هذه القبيلة [= العرب] على المقالة وسعة بيانها في الخطاب، شنت الغارة على كثير من اللغات وعربتها وانتحلتها بظهور الكلمة وعظم السلطان وغلبتها على ملك فارس بخراسان وعلى ملك الروم في الشام وعلى ملك القبط في مصر. فاتسع نطاقها وفشت المعارف في أقطارها وآفاقها وترجمت جميع العلوم القديمة والحديثة وانتحلتها وزادتها شرحًا وبيانًا؛ فما ألف وترجم في ملة من العلوم ما ألف وترجم في هذه الملة بما وهبت من سعة اللغة، ورزقت من فضل الخطاب".
المصدر: موسى بن عزرا (2013). كتاب المحاضرة والمذاكرة. تحقيق أحمد شحلان والسعدية المنتصر. الرباط، مطبعة الرسالة. الصفحة 112.
وقال عن اعتماد اليهود في درس لغتهم على مناهج العرب ما يلي:
"ولما استفتحت العرب جزيرة الأندلس المذكورة على القوط الغالبين على الرومانيين أصحابها بنحو ثلاثماية سنة قبل فتح العرب لها الذي كان على عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان من ملوك بني أمية من الشام سنة اثنين وتسعين لدعوتهم المسماة عندهم بالهجرة تفهمت جاليتنا بعد مدة أغراضهم ولقنت بعد لأي لسانهم وتبرعت في لغتهم وتفطنت لدقة مراميهم وتمرنت في حقيقة تصاريفهم وأشرفت على ضروب أشعارهم حتى كشف الله إليهم من سر اللغة العبرانية ونحوها واللين والانقلاب والحركة والسكون والبدل والادغام وغير ذلك من الوجوه النحوية مما قام عليه برهان الحق وعضده سلطان الصدق على يدي أبي زكريا يحيى بن داود الفاسي المنبوز بحيوج وشيعته رحمة الله عليه ما قبلته العقول بسرعة وفهمت منه ما جهلت قبل". نفس المصدر، الصفحة 145.
ولخص موسى بن عزرا تفوق العرب في الشعر على غيرهم من الأمم كما يلي: "الشعر عند بني إسماعيل [= العرب] طبع، وعند سائر الأمم تطبع"! (المصدر ذاته).
ويقول الأديب اليهودي الكبير يهودا الحريزي (الحريزي بالزاي: صاحب المقامات العبرية المشهورة بـ: "تَحْكِمُوني"، التي حاكى فيها الهمذاني في مقاماته) في (مقامة الشعر):
דעו כי השיר הנפלא... היה בתהלה לבני ערב לנהלה.
"اعلموا أن الشعر العجيب كان منذ البداية مُلكاً للعريب"!
ويقول عن أشعار الأمم الأخرى ما يلي:
כל שיריהם לנגד שירי הישמעאלים לא לעזר ולא להועיל.
إن أشعارهم ليست بشيء مقارنة بأشعار بني إسماعيل[= العرب]".
المصدر: Reichert V.E., The Tahkemoni of Judah al-Harizi. Jeruzalem, Cohen Publishers, 1973.
قال كبير المستشرقين الأوربيين في القرن السايع عشر ألبيرت شخولتنس (Albert Schultens) مقارناً حالة الشاعر العربي الجيدة بحالة الشاعر الغربي التعيسة: "إن الكرم العربي يحول دون شقاء الشاعر" .. ويرد شخولتنز تفوق العرب في الشعر على سائر الأمم إلى غنى اللغة العربية وموسيقاها العذبة. يقول في إحدى خطبه: "لا بد من أخذ غنى اللغة العربية الفاحش بعين الحسبان [عند مقارنة الشعر العربي بغيره] (النص باللاتينية: Attendo porro ad incredibilem Arabicae Linguae copiam)".
المصدر:
J.C. Wenckebach (ed.), Drie redevoeringen van Hendrik Albert Schultens. Leeuwarden, 1845. "ثلاث خطب [باللاتينية] لألبيرت شخولتنس". صفحة 10.
أما المستشرق الهولندي الكبير ولميت صاحب المعجم العربي اللاتيني الشهير فيقول في محاضرة بعنوان "ذوق العرب الجمالي"، وبالأخص عند حديثه عن أبي العلاء المعري: "انظر ما أروع العرب، وما أعظم عبقريتهم"! (Tanta est Ingenii! Tanta Phantasiae Arabum). وكان ولميت يرد في خطبته هذه على أحد النقاد الأدبيين (من غير المستعربين) ـ وهو الناقد وايرز ـ الذي كتب سنة 1845 قائلاً: "إن من يبحث عن شعر رفيع عند العرب شخص يضيع وقته فيما هو غير مفيد"!
J. De Roos e.a., Driehonderd Jaar Oosterse Talen in Amsterdam. Amsterdam, 1986. P. 60.
"ثلاثمائة سنة لغات شرقية في أمستردام". صفحة 60.
والقائمة طويلة جدا!
فهؤلاء أدباء السريان واليهود ولغويوهم يعدلون في حكمهم رغم الخلاف الديني - وهذا لعمري يحسب لهم - ثم يأتي من صبياننا الطائشين من يزعم العكس وهو لا يعرف كوعه من بوعه لا في العربية، ولا في السريانية التي يخلط بينها وبين العبرية بطريقة فاضحة له عند المتخصصين، إذ يقول: "آرامية" ثم يستشهد بالعبرية! ولقد ثبت عندي بالدليل القاطع أنه لا يعرف الفرق بينهما!