التَّصريف في النحو والتصرفُ فيه
من كتاب شرح التصريف للثمانيني
والتَّصريف في النحو والتصرفُ فيه: هو أنْ تأتيَ إلى مثال من الحروف الأصول فتشتقَّ منه بزيادة أو بنقصٍ أمثلةً مختلفةً يدلُّ كلّ مثالٍ منها على معنًى لا يدلُّ عليه المثال الآخر. مثال ذلك أن تأتيَ إلى مثال " ض. ر. ب" فإن اشتققت منها فعلًا ماضيًا قلت: "ضرب"، وإن اشتققت منه فعلاً مسْتَقْبَلاً قلت "يَضْرِبُ"، وإن اشْتَقَقْتَ منه أمرًا قلت "اضْرِبْ"، وإن اشتققْتَ منه نهيًا قلت "لا تضربْ"، وإن اشتققت منه مصدرًا قلت "ضَرْبًا" و"مَضْرَبًا"، وإن اشتققت منه اسمًا للزّمان أو للمكان اللّذين يوقَعُ فيهما الفعل قلت: "مَضْرِبًا"، وإن اشتققت منه اسم الفاعل قلت: "ضارِبٌ"، وإن اشتققت منه اسم مفعول قلت: "مَضْرُوبٌ"، وإن اشتققت منه مثالاً ليَدُلَّ على التَّكثير والتَّكْرير قلت: "ضَرَّبَ"، وإن اشتققت منه مثالاً للمفعول الذي لم يُذْكَرْ فاعلُه قلت: "ضُرِبَ" فإن اشتققت منه مثالاً ليدلَّ على استدعائه الفعل قلت: "استضْرَبَ" وإن أردت أنّه فَعَلَ من الضَّرْب مثل ما فُعِلَ به على جهة المقابلة قلت: "ضاربَ زيدٌ عمرًا" فإن أردت أنّه فعل الضَّرْب في نفسه مع اختلاجٍ وحركة قلت: "اضطرب". فقد رأيت كيف تصرَّفْتَ في المثال الواحد بأن اشتققت منه هذه الأمثلة الكثيرة ودللت بكلِّ بناءٍ منها على معنًى لا يدلّ عليه الآخر.
فهذا هو التصريف في الكلام والتصرُّف فيه وسنبيِّن بعد هذا الفصل - إن شاء الله - الأصول من الزَّوائد.
والتَّصريف ينقسم ثلاثة أقسام وهي: الزّيادة والنَّقْصُ والبَدَلُ.
فأمّا الزيادة فتكون شيئين: إمّا زيادةُ حرف أو زيادة حركة فإذا قلت: "ضارِبٌ" فقد زدت حرفًا على الأصل وهو الألف، وإذا قلت "مُكْرِمٌ" فقد زدت حرفًا على الأصل وهو الميم، وإذا قلت "مَضْرُوبٌ" فقد زدت حرفين على الأصل وهما الميم والواو.
فأمّا زيادة الحركة فكلّ ساكنٍ حرّكته فقد زدت فيه حركةً لم تكن في أصله تقول في "نَهْرٍ": "نَهَرٌ"، وفي "شَمْعٍ" "شَمَعٌ"، وفي "صَخْرٍ" "صَخَرٌ"، فقد رأيت الأوسط زدت عليه حركة بعد أن كان ساكنًا، وقد قالوا في "رَكّ" "رَكَكٌ"، وهو اسم مكانٍ وقد جاء في شعر زهير:
... ... .... ماءٌ بشرقيِّ سلمى فَيْدٌ أو رَكَكُ
فأمّا النقصُ فهو نقص حرف أو حركة، فمثال ما نقص منه حرف قولك: "قاضٍ ومُعْطٍ" سقطت الياء لسكونها وسكون التنوين، وكذلك إذا قلت لم "يبع" ولم "يَقُلْ" ولم "يَخَفْ" و"قُلْ" و"بِعْ" و"خَفْ" أسقطت الياء من يبيعْ والواو من يقولْ والألف من يخافْ، لسكونها وسكون ما بعدها، وكذلك إذا قلت: "ارْمِ" و"ادْعُ" و"اسْعَ" حذفت الياء والواو والألف للوقف، وكذلك إذا قلت: لم "يَرْمِ" ولم "يَسْعَ" ولم "يَدْعُ" حذفتها للجزم، وإذا قلت: "مَقولٌ" و"مَبِيعٌ" فقد حذفت الياء من مَبيعٍ والواو من مَقولٍ لالتقاء الساكنين فهو في نِيّة الإثبات.
وأمّا ما نقص منه الحركة فقولك في "فَخِذٍ": "فَخْذٌ"، وفي "كَبِدٍ": "كَبْدٌ"، وفي "عَضُدٍ": "عَضْدٌ"، وفي "كَتِفٍ": "كَتْفٌ" فقد رأيت كيف نقصت الحركة من وسط الكلمة.
والإدغام من هذا الفصل، وهو أن يلتقي الحرفان المثلان أو المتقاربان من كلمة واحدة، أو من كلمتين فيثقلا على اللسان، فإن كانا مثلين أُسْقِطَتْ حركة الأوّل وأُدْغِمَ في الثّاني، تقول في "يَمْدُدُ": "يَمُدُّ"، وفي "يَعْضَضُ": "يَعَضُّ"، وفي "يَفْرِرُ": "يَفِرُّ"، وفي "عَضِضَ": "عَضَّ"، وفي "مَدَدَ": "مَدَّ"، وفي "شَمِمَ": "شَمَّ"، وفي "فَعَلَ لبيدٌ": "فَعَلَّبيدٌ".
وأمّا المتقاربان فهو أن تقلب الأوّل إلى جنس الثاني ثم تدغمه فيه كقوله تعالى: (وإن تعجب فَّعجبٌ) (ومن لم يتب فأولئك) فإذا أردت الإدغام قلبت الباء فاءً، وأدغمت الفاء في الفاء، لأنّه لا يصحّ إلّا إدغام مثل في مثل، فلأجل هذا قلبت الأوّل إلى جنس الثاني فقلت: "وإن تعجفَّعجب" و"من لم يتُفَّأُولئك".
والقلب في الإدغام قياسٌ مُطَّرِدٌ لا ينكسر، ونذكر أحكامه ممّا يتعلَّقُ بالتَّصريف.
فأمّا القلب الذي يكون على غير قياسٍ فقول الشاعر:
لها أشاريرُ من لحم تُتَمِّرُه ... من الثّعالي ووخزٌ من أرانيها
أراد من الثّعالب ومن أرانبها فقلب من الباء ياء ليستقيم له الوزن، وقال الآخر:
ولِضَفادِي جَمِّهِ نقانِقُ
أراد لضفادع فقلب من العين ياءً ليستقيم وزن البيت. وقالوا: "تَضَنَّيْتُ" في تَضَنَّنْتُ فقلبوا من النون ياءً، وقالوا: "تَقَصَّيْتُ" أظفاري وهو تقصَّصْتُ فقلبوا من الصاد ياء، وقال الشاعر:
تقضِّيَ البازي إذا البازي كَسَرْ
أراد تَقَضُّضَ فقلب من الضّاد ياء، وقال الله تعالى: (إلاّ مُكاءً وتصديةً) أراد وتصْدِدَةَ فقلب من الدّال الأخيرة ياء، وقال تعالى: (ثم ذهب إلى أهله يتمطّى) أراد يتمطَّط فقلب من الطّاء الأخيرة ياء، وقال تعالى: (وقد خاب من دسّاها) أراد من دَسَّسَها فقلب من السين الأخيرة ياء.
وهذا كله قلبٌ على غير قياس، وإنّما هو طلب للتخفيف.