سلسلة (عالم ورأي)
تهدف هذه السلسلة إلى استجلاء رأي عالم من علمائنا حول قضية من القضايا، أو عقبة من العقبات التي تواجه أبناء العربية، أو طرح رؤية لاستنهاض الهمم وتحفيز العزائم. فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.

95-الأستاذ الدكتور محمد محمد داود– أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة قناة السويس، ورأيه في: اللغة العربية وتكنولوجيا المعلومات:
أين لغتنا العربية من تكنولوجيا المعلومات؟ لماذا نحرم أنفسنا دعمًا من عضوية نادي المعلومات العالمي، في حين تعمل الأمم الأخرى جاهدة للوصول إلى موقع متميز على الساحة العالمية؟!
وقد رأينا كيف تهتم كل أمة بدعم لغتها والتمكين لها في حلبة الصراع. وحسبنا أن نتدبر موقف اليابان التي تسعى حثيثًا لمواجهة الهيمنة الأمريكية على الشبكة العنكبوتية، وكانت البداية في مشروع الجيل الخامس الذي أطلقته اليابان في بداية الثمانينيات، كردّ فعل تكنولوجي يهدف إلى كسر سيادة اللغة الإنجليزية، وقُوبلت في سعيها هذا بعقبات سياسية واقتصادية من جانب أمريكا لعرقلة هذا المشروع، إلا أن اليابان لم تستسلم لهذه الضغوط، وركزت على تكنولوجيا الترجمة الآلية مستغلة تفوقها، ولا شك أن نجاح مشروع الترجمة الآلية والجيل الخامس سيكسر حاجز القطب اللغوي الأوحد، حتى يصبح بإمكانك –وأنت عربي أو فرنسي-أن تفتح جهاز الكمبيوتر فيقوم الجهاز بتحويل كل الكلام المكتوب بالإنجليزية إلى لغتك التي تتحدث بها.
وعلينا أن نفيد من مثل هذه الجهود ونحذو حذْوها؛ بغية تحقيق الأمن اللغوي، وحفاظًا على لغتنا الخالدة، وحماية لها من الانجراف في طوفان التغريب الذي لن يقتصر على اللغة وحدها، بل سيمتد إلى الثقافة وأنماط التفكير والجذور والمنابع التي تنتمي إليها رؤيتنا للعالم.
وعلى سبيل مواجهة هذه التحديات يتعين علينا أن ننشط فيما يلي إجماله:
- توثيق صلات العربية بفروع المعرفة المختلفة؛ مثل الإعلام، والسياسة، والاجتماع، والفلسفة، وكل نواحي المعرفة الإنسانية والعلمية.
- دعم الجهود التي تهدف إلى تعريب الكمبيوتر وتنميتها ومؤازرتها، وليكن شعارنا: "التعريب في مواجهة التغريب".
- توثيق علاقات اللغة العربية بالفنون بنظرة أوسع، خاصة وقد اختصرت تكنولوجيا المعلومات المسافة الفاصلة بين العلم والفن في عالمنا المعاصر.
- وعلى العربية أن تفيد في مسائل التنظيم والترتيب بما وصلت إليه علوم الرياضيات والإحصاء والهندسة.
من هنا تتأكد أهمية تكاتف الجهود لوضع العربية وما تشمله من معارف وثقافات على قاعدة معلومات منظمة تكون مهيأة للمعالجة الآلية بالكمبيوتر؛ وذلك لأن أهمية أي لغة على الشبكة العنكبوتية لا تتأتى من مجرد الأسماء والبيانات في هذه اللغة، بل بقدر ما تقدِّم من معلومات وأفكار تحملها هذه اللغة.
ولا مجال للحديث عن نهضة لغوية إلا بقدر ما تكون في موقع التأثير إن أردنا الحياة لنا وللغتنا العربية.
المصدر: اللغة كيف تحيا؟.. ومتى تموت؟ محمد محمد داود، دار نهضة مصر للنشر، القاهرة، 2016م، ط 1، ص 242- 242.
إعداد: د.مصطفى يوسف