اكتساب ملكة البلاغة
أحمد محمد عبد الرؤوف المنيفي
ملكة البلاغة لا تُكتسَب بدراسة قواعد علم البلاغة وقوانينه الموجودة في الكتب المتعلقة بهذا العلم فقط؛ وإنما تحصل أيضًا بكثرة المطالعة والممارسة لكلام العرب والتفطُّن لوجوه التراكيب التي فيه.
حتى يصير نظم الكلام بكثرة الممارسة والتكرار مثلَ الطبع لدى الشخص، فلا يتكلم إلا على أساليب العرب ونظمهم البلاغية، ولا يستسيغ إلا ما كان جاريًا عليها.
يقول ابن خلدون:
"وهذه الملكة – أي: ملكة البلاغة - كما تقدَّم إنما تحصل بممارسة كلام العرب، وتكرُّره على السَّمْع والتفطُّن لخواصِّ تركيبه، وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل صناعة البيان، فإن هذه القوانين إنما تفيد علمًا بذلك اللسان، ولا تفيد حصول الملَكَة بالفعل في محلها، وقد مرَّ ذلك، وإذا تقرَّر ذلك، فمَلَكة البلاغة في اللسان تهدي البليغ إلى وجوه النظم وحُسْن التركيب الموافق لتراكيب العرب في لغتهم ونظم كلامهم، ولو رام صاحب هذه الملَكَة حيدًا على هذه السُّبُل المعينة والتراكيب المخصوصة، لما قدر عليه، ولا وافقه عليه لسانه؛ لأنه لا يعتاده ولا تهديه إليه ملكته الراسخة عنده، وإذا عرض عليه الكلام حائدًا عن أسلوب العرب وبلاغتهم في نظم كلامهم أعرض عنه ومجَّه، وعلم أنه ليس من كلام العرب الذين مارس كلامهم"[1].
وأصول البلاغة الرئيسة في الكلام العربي؛ هي: الاستعارة، والتشبيه، إذ إن جُلَّ - إن لم يكن كل - محاسن الكلام ترجع إليها، وجميع مسائل البلاغة المتفرِّقة إنما تتفرَّع عنها، وتدور حولها[2].
وسوف نتطرَّق في مقالات قادمة إلى هذين الأصلين الكبيرين؛ ولكن على نحو تطبيقي؛ لأن المقصود من هذا المبحث أن يحصل للقارئ نوعٌ من الذوق البلاغي أو مَلَكة البلاغة، وذلك يكون كما رأينا بالممارسة والتطبيق لا بالقوانين.
المصدر
-----------------
[1] مقدمة ابن خلدون، ص 630.
[2] أسرار البلاغة، ص 27.