الفتوى (372) :
بلاغةُ الآيتَيْن يترتّبُ على نحوهما وإعرابهِما
[ليسَ البرَّ أن تولّوا وُجوهَكُم] البرَّ بالفتحة في الآية خبر ليس والمصدرُ المؤولُ من "أن تولوا" اسمُها [هذا في روايَة حفص عن عاصم، أما في رواية ورش عن نافع، فقَد رُفع البرّ]، أما في الآية الثانية [ليس البرُّ بأن تأتوا البيوتَ من ظهورها] فكلمة (البرّ) بالضم اسم ليس.
والنفي في قوله: [وليس البرُّ بأن تأتوا البيوتَ من ظهورها] نفي جنس البر عن هذا الفعل بخلاف قوله المتقدم [ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم] [ البقرة : 177 ] والقرينة هنا هي قوله: [وأتوا البيوتَ من أبوابها] ولم يقل هنالك: واستقبلوا أية جهة شئتم .
والفرق بين الآيتَيْن في ترتيب الكلم، وللترتيب دلالة معنوية بلاغيّة؛ فالبرّ في قوله تعالى: (ليس البِرّ أن تولوا وجوهكم) خبر منصوب مُقدّم والمصدر المؤول من أن والفعل اسم "ليس" مؤخّر، وقد قُدّم الخبرُ للعناية والاهتمام، وعُرِّفَ؛ للدلالَة على نفي أن تَكونُ توليةُ الوجه قبل المشرق والمغرب هي جنسَ البرّ وحقيقتَه، وكأنه قال ليسَت تولية الوجه براً في حقيقة الأمر، وفي ذلكَ تصحيحٌ لمفهوم البرّ وأنّه ليسَ في الوجهة أو ما شاكلَها، ودلَّ على تصحيح المفهوم ما سيقَ بعد ذلكَ وهو قولُه مستدركاً على مَن ظنّ ذلك: ولكنّ البرّ في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وفي الإنفاق ….. وفيه معنى نفي الحَصر
فائدة بلاغية أخرى: الإيجاز في العبارَة: وذلك بحذف المضاف في قوله تعالى: [ولكن البرَّ من آمنَ] والتقديرَ ولكنَّ البرَّ برُّ مَن آمَن... أما في الآية الثانية فقَد جُعلَ المسنَد مسنداً إليه والمسند إليه مسنداً، ونُفيَ انحصار البر في طريقة إتيان البيوت وأثبِتَ في التقوى في المقام الأول، وذلك لَفت انتباه إلى أسلوب الحكمة وتوجيه إلى السؤال النافع .
اللجنة المعنية بالفتوى:
أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)
أ.د. عبد العزيز بن علي الحربي
(رئيس المجمع)
أ.د. محمد جمال صقر
(عضو المجمع)