بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية ينطلق اليوم (السبت 1/5/1433هـ) من قلب العالم عند (أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين)، وهو الذي جعله الله (قياما للناس)، وكلمة (قياما) تساوي معنى كلمة (الحياة) بل تزيد، بل تزيد، لأن الحياة تصدق على مطلق الحياة ولو كانت في أدنى مراتبها التي لا يكون بعدها غير الفناء، وأما (القيام) فحياة لا قعود فيها ولا كسل، ولا فتور ولا وَنى، والقيام هنا للناس كل الناس، عربهم وعجمهم، وقاصيهم ودانيهم على اختلاف مشاربهم وسعة مساربهم.
وإنا لنعدّ مجمعنا هذا بركة من بركات هذا البلد الأمين والحرم الآمن الذي تجبى إليه ثمرات كل شيء، والعلم ثمرة وكذلك أهله، فهو منه فكرة ونشأة، وعملا وإعدادا، وانطلاقا وإمدادا.
أيها المجمعيون الفضلاء النبلاء :
إن مجمعكم اللغوي لفخور بكم متطلع إلى أن يكون غاية من الغايات التي تستشرف إليها النفوس، وتشرئب إليها الأعناق .. ولئن كان أبو الطيب قد قال حين أحسّ ممن حوله الخذلان :
وحيد من الخلان في كل بلدة …. …. …. إذا عظم المطلوب قلّ المساعد
فإني أقول :
حفيّ بي الخلان من كل بلدة …. …. …. إذا عظم المطلوب جل المساعد
نعم : إن الخطب لجلل، وإن المساعد لأجل.
أيها الأجلة ، وذوي التَّجِلَّة :
إننا اليوم ــ في عصر العولمة ــ في حاجة ملحة لخدمة لغتنا الخالدة الباقية بقاء الكتاب العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).
وإنا لعلى هدى وعلى يقين أن كل من جرّد نفسه الخلاقة لبيان أسرار العربية والدفاع عنها وفضح الكائدين لها هو ممن استعمله الله لخدمة دينه ورسالته وخدمة قومه .. إننا ونحن في فاتحة انطلاق هذا الموقع (الذي هو وسيلة سباقة ونافذة واسعة) لنعلم عظم المسؤولية وجلالة قدرها، وإنا لواثقون بتوفيق الله وتأييده، وعونه وتسديده عالمون بقدْركم وقدرتكم، وهمّكم وهِممكم، وبأن مجمعكم إن كان ينوء بالعصبة أولي القوة، فإنكم أشد قوة وأكثر جمعا، وإن توكلنا عليه وثقتنا به ومجاهدة أنفسنا في العمل له ليزيدنا عملا وأملا، وليس لهمتنا أمد في ذلك ولا منتهى، ما دامت آمالنا منوطة بقول الحق (وأن إلى ربك المنتهى).
أيها الناس (من الأعضاء والزائرين) :
إن هذا المجمع أنشئ لكم ومن أجلكم وإنه لذكر لكم، فأعينونا بقوةِ مشاركاتكم، وحسن إقبالكم، ونافع أسئلتكم وجميل توقيعاتكم، وجليل تعاونكم، وسترون غدا ــ بعون الله ــ مجمعكم حدائق ذات بهجة، تتفيأُ ظلاله عن اليمين والشمائل، وسترون من خلاله وجه اللغة العربية الوضّاء، ومحيّاها الوضاح، ولتروُنّ لها في كل حين جمالًا يتجدد، وإشراقا يتمدّد، ووجها لا يتخدد.
ولتعلمُنّ منها ما ينفعكم في حياتكم الدنيا وفي الآخرة، ولتقولنّ: ياويلتنا إنا كنا عن هذا غافلين.
ذلك بأن التفقه في لغة القرآن مقرونا بالقرآن وبلاغة سيد البلغاء، وكلام بواقع الشعراء ومصاقع الخطباء، شيء آخر غير الذي عرفه كثير من الناس، فالمناهج اليوم وطرق تدريسها ــ إلا قليلا ــ لا تكسب إلا معرفة ظاهرة، لا تنمّي ملكة، ولا تذكي مهارة، ولا تغرس حكمة، وآية ذلك أن تلاميذنا يدرسون قواعد النحو نحوا من خمسة عشر عاما، من الرابعة الابتدائية إلى حصولهم على شهادة الجامعة ثم لا يعلمون منها إلا ما تبخّر من أذهانهم حين اختبارهم في كل عام مرة أو مرتين، وهم يخرجون منها بأمور ثلاثة أو بعضها:
1. بغض العربية. 2. رميها بالعقم. 3. الجهل المطبق.
وأما المنتفعون بما تلقّوه في دراستهم فقليل أو نادر، أو هو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، ولا نبالغ في هذا ولا نتزيّد، ومن الواقع دليل عليه، وشاهد منه فيه.
لهذا كان الحمل على عاتق العارفين كبيرا.
وقد علمنا عظم ذلك، كعلمنا بأن توفيق الله أكبر، وعونه أعظم، وعلى الله فليتوكل المتوكلون.
رئيس مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية
أ.د / عبد العزيز بن علي الحربي