تناقلت وسائل الإعلام مستبشرة خبر موافقة مجلس الشورى برئاسة رئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ على مشروع (نظام تعزيز استعمال اللغة العربية)، المقدَّم من عضو المجلس الدكتور ناصح البقمي، وذلك استناداً إلى المادة (23) من نظام المجلس، ويتكوّن مشروع النظام من (18) مادةً، تهدف في مجملها إلى تعزيز استعمال اللغة العربية من خلال إلزام الجهات الحكومية وغير الحكومية باستعمالها، ووضع ضوابط محددة للحالات التي يجوز فيها استعمال غيرها.
ولهذا النظام دلالاته وأهميته، فالمملكة العربية السعودية كانت ومازالت تُعلي من شأن اللغة العربية وتعزز مكانتها وتدعم استعمالها في كل مجالات الحياة، كما يظهر من الاسم الرسمي للدولة (المملكة العربية السعودية)، فالوصف الأول لها أنها “عربية” اللغة والانتماء، فاللغة العربية متأصلة في دينها ولغة كتابها وتاريخها، ومن هنا جاء دستورها ينص على دور الدولة في حماية العقيدة والشريعة واللغة العربية هي لغة العقيدة، كما نص الدستور في المادة (1) من النظام الأساسي للحكم على أن “اللغة العربية لغة الدولة”، حيث صدر الأمر الملكي رقم أ/90 بتاريخ 27/8/1412هـ، كما صدر عن مجلس الشورى بتاريخ 24/3/1346هـ القرار رقم 14 بـ”الاعتناء باللغة العربية والمحافظة على أساليبها الفصحى ومراعاة قواعدها”. أما فيما يتصل بمجال المال والأعمال وسوق العمل واستخدام اللغة العربية فيها؛ فقد صدر عن وزارة الداخلية بتاريخ 30/7/1404هـ بموجب قرار رقم 266/5 للحفاظ على اللغة العربية في سوق العمل، وهو ينص على ” ضرورة جعل العربية هي الأولى في المخاطبة والمكاتبة لدى الشركات والمؤسسات والفنادق وغيرها، ومنع استعمال لغة أخرى إلا فيما تقتضيه الضرورة”.
ورغم وجود هذه القرارات التي تؤكد على استعمال اللغة العربية وتُمكِّن لها؛ إلا أن الناظر في واقع الحال يجد تعثرا في تنفيذ تلك القرارات وتراخيا من بعض الجهات، مما فتح الباب واسعا للمؤسسات والشركات في سوق العمل للتملص من تنفيذ ما يخص تلك القرارات اللغوية وبعض بنود الأنظمة الصادرة، ولعل ذلك راجع إلى غياب وجود نظام تنفيذي محدد وملزم، وغياب جهة متخصصة لمراقبة تنفيذ قرارات المملكة اللغوية.
لذا فإن هذا النظام قد جاء في الوقت المناسب إذ بدأت تتفشى ظاهرة ضعف استعمال اللغة العربية في مجال الأعمال وصارت تزاحمها الإنجليزية بصورة ملحوظة، وضعف التعامل باللغة الأم في المجتمعات يعد مؤشرا من مؤشرات ضعف الوعي بأهميتها، ولا شك أن تطبيق هذا النظام سيسهم في تعزيز اعتماد اللغة العربية لغة رسمية في الواقع العملي، ومن شأنه أيضا أن يسمو باللغة العربية ويرسخ منافستها اللغات العالمية، ويعيد لأبنائها الاهتمام بها، لأنهم بحاجة إليها في تحقيق ذواتهم ومهاراتهم في أعمالهم، كما أنه يساعد على تعميق الوعي اللغوي على المستويات المختلفة (النفسية والاجتماعية والعلمية والعملية / الخاصة والرسمية).
ومن ناحية أخرى فإن الحفاظ على اللغة العربية هو أحد التحديات التي تواجه المجتمعات العربية هذه الأيام والمرجو من تطبيق هذا النظام أن يسهم في تشكيل الوعي اللغوي في قطاع الأعمال العامة والخاصة بما يدعم استعمال اللغة العربية في مجالات الحياة الأخرى ويثبت أركانها في سوق العمل.
وممارسة قطاعات الدولة للغتها الأم يرفعها في مدارج التقدم ثقافيا واقتصاديا، ويجعلها أكثر تحضرا واستقلالا، وأمنع جانبا، وهذا ما تسعى إليه المملكة وتضعه ضمن أهدافها في رؤية 2030.
وستظل اللغة العربية تفرض نفسها لما تتميز به من عناصر حضارية وما تحمله من مقومات عالية، وستظل خالدة لما توفر لها من أسباب الحفظ والدعم والتمكين.
________
* عضوة مجمع اللغة العربية بمكة المكرمة.
لتحميل المقالة اضغط هنا.