مجمعيون خارج دائرة الضوء
تهدف هذه السلسلة إلى إلقاء الضوء على بعض أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة؛ ممن خدموا العربية وأثروها بالعديد من البحوث والمؤلفات، وفي الوقت نفسه لم يأخذوا المكانة اللائقة بهم من الشهرة والذيوع؛ بهدف تقريبهم لشداة العربية ومحبيها، وإعادة بعض الاعتبار لهولاء الأعلام.
سلسلة "مجمعيون خارج دائرة الضوء"
الحلقة الثالثة:
3- عبد العظيم حفني صابر (1325- 1420هـ=1908 - 1999م):
الدكتور عبد العظيم حفني صابر: من رواد علم الصيدلة. وُلد في إحدى قرى مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية بمصر. وبقريته تعلم القراءة والكتابة وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالقاهرة، ثم التحق بالمدرسة الخديوية وحصل منها على شهادة إتمام الدراسة الثانوية 1925م. وكانت جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًّا) قد فتحت أبوابها هذا العام فالتحق بكلية الطب تمهيدًا لدراسة الصيدلة لرغبته الشديدة في دراسة علوم الصيدلة، ولم تكن أُنشئت لها كلية خاصة بعد. وفي عام 1929م حصل على البكالوريوس في الصيدلة والكيمياء الصيدلية، ثم أُوفد إلي إنجلترا للحصول على درجة الدكتوراه، وتابع دراسته بها حتى حصل عليها من جامعة لندن 1934م في مادة العقاقير، وبعد عودته إلى مصر عُيِّن مدرسًا لهذه المادة في مدرسة الصيدلة التي كانت آنذاك فرعًا من كلية الطب. قضى الدكتور عبد العظيم حفني ما يقرب من ستين عامًا في رحاب الجامعة شغل في أثنائها وظائف متعددة تدرج فيها حتى عُيِّن أستاذًا لمادة العقاقير والنباتات الطبية من 1949م حتى 1968م، واختير عميدًا لكلية الصيدلة 1956م، واستمر يشغل هذا المنصب عشر سنوات متتالية. وفي عام 1972م عمل أستاذًا متفرغًا حتى عام 1982م، حتى توفاه الله. انتخب الدكتور عبد العظيم عضوًا بالمجمع 1985م.
بعد تخرجه بشهور شارك بعض زملائه في تأسيس الجمعية الصيدلية المصرية 1930م والتي كان من أهدافها الارتفاع بمهنة الصيدلة وقصر الاشتغال بها على الصيادلة المؤهلين جامعيًّا دون غيرهم. وكان – رحمه الله – عضوًا في الجمعية النباتية المصرية وجمعية العقاقير الأمريكية، والجمعية العربية لأبحاث النباتات الطبية وفي المجمع العلمي المصري وفي الأكاديمية المصرية للعلوم، وكان كذلك رئيسًا للجنة الدائمة لدستور الأدوية المصري التي أصدرت هذا الدستور باللغة العربية لأول مرة. وقد شارك الفقيد في عدد كبير من المؤتمرات الصيدلية في مصر وفي الخارج، فشارك – على سبيل المثال لا الحصر – في مؤتمرات اتحاد الصيادلة العرب، وفي المؤتمر الدولي للصيدلة المنعقد في فيينا عام 1981م، وفي المؤتمر الدولي السادس عشر للاتحاد الدولي لتاريخ وفلسفة العلوم في بخارست – بولندا 1981م، وفي المؤتمرات الصيدلية السنوية في بريطانيا 1932 – 1943م، هذا فضلاً عن مشاركته في جميع المؤتمرات الصيدلية التي عقدت في مصر. كما له مشاركات كبيرة بأكاديمية البحث العلمي حيث عمل مشرفًا على تنفيذ البرنامج القومي للنباتات الطبية في الخطة الخمسية الأولى والثانية مع زميله المرحوم شفيق بلبع. وامتد نشاطه إلى العمل الاجتماعي فشارك في تأسيس اتحاد طلاب الصيدلة، وبعد انضمامه إلى الاتحاد العام لطلاب الجامعة انتُخب رئيسًا له، كما انتُخب رئيسًا لنادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة.
وللدكتور عبد العظيم حفني صابر ما يزيد على مئة وعشرين بحثًا في علم العقاقير والنباتات الطبية، من أهمها: كتاب بالإنجليزية عن دراسة العقاقير يعد من المراجع المعتمدة فيها، وكتاب بالعربية عن الغذاء والدواء (بالاشتراك) صدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وكتاب عن تاريخ الصيدلة (بالاشتراك) صدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وقاموس عربي إنجليزي وإنجليزي عربي للمصطلحات والألفاظ التي درست في دستور الأدوية المصري، ودراسة عن النباتات الطبية العربية وما يجب نحوها عام (1970م)، والعقاقير عند العرب (1976م)، والنباتات الطبية والعوامل المؤثرة في إنتاج العقاقير (1969م)، وتاريخ الصيدلة في مصر بالإنجليزية (1972م)، وتعليم العلوم الصيدلية في مصر ولمحة تاريخية عنه (1972م).
وفي أثناء حياته الجامعية الطويلة أنشأ مدرسة علمية متميزة؛ حيث أشرف فيها على ثلاثة وعشرين رسالة لدرجتي الماجستير والدكتوراه في علم العقاقير والنباتات الطبية، وتخرج على يديه المئات من المشتغلين بعلوم الصيدلة والعقاقير.
وفي مجمع اللغة العربية ظهر نشاطه الواسع لفترة تزيد على خمسة وأربعين عامًا؛ فقد اختير خبيرًا بلجنة الأحياء والزراعة عام 1948م، واختير خبيرًا بلجنة الكيمياء والصيدلة عام 1967م، وظل يعمل بدأب في اللجنتين حتى انتخابه عضوًا 1985م. وكان طوال هذه السنوات خبيرًا أو عضوًا مثلاً عاليًا على التفاني في العمل وفي العطاء غير المحدود. وقد أنجز مع زملائه أعضاء اللجنتين بضعة آلاف من المصطلحات، كما شارك في الإشراف على إصدار معجم مصطلحات علوم الأحياء والزراعة ومعجم الكيمياء والصيدلة. ومَثَّل المجمع في ندوة تعريب مصطلحات علم الكيمياء، التي أقامتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عمان بالأردن 1982م. وله بمجلة مجمع اللغة بحث ضافٍ نشره في الجزء الحادي والخمسين بعنوان (المصطلح العلمي في التعريب) أكد فيه أن لغتنا العربية قادرة على اقتحام البحث العلمي وعلى التعليم الجامعي.
وقد حظي الدكتور عبد العظيم بتقدير الدولة والهيئات العلمية في الداخل والخارج فنال: الميدالية الذهبية لأحسن البحوث التي ألقيت في مؤتمر اتحاد الصيادلة العرب بدمشق عام 1970م، والميدالية الذهبية من جمعية الصيدلة عام 1971م، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1973م تقديرًا لجهوده الممتازة في إصدار دستور الأدوية المصرية، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1980م، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم لعام 1985م.
قال الدكتور محمود حافظ عنه في حفل تأبينه:"حين يُؤرخ لعلوم الصيدلة في مصر فسيكون الدكتور عبد العظيم حفني صابر من معالمها البارزة ورموزها الشاخصة، ولا شك أنه كان بين معاصريه من علماء الصيدلة أرسخهم قدمًا وأعمقهم وأعلاهم منزلةً وقدرًا".
المصادر: المجمعيون في خمسة وسبعين عامًا/ 440- 443.
إعداد: مصطفى يوسف