عائد.
بي حنين إلى البيت القديم ؛اغتربت عنه سنوات لا أعرف عددها، شوق أن أشم الهواء في حجرة أبي ،أن أرتدي ثوبه .
خدعتني نلك الفرنسية ، زينت لي الوهم حقيقة علمية ، جعلتني آلة تدور في المعمل، أرضت غروري حيث تماهيت مع مجتمع يقتل الانتماء للوطن يعتصر الغرباء حبة ليمون، سلبتني عقلي ، لم أكن أعمى مثل " طه " لكن هناك الغرور الذى أفقدني كل حواسي، لم أعرف سبب افتناني بها؟
كنت مثل إسماعيل في" قنديل أم هاشم " ، لست " مصطفى سعيد " في موسم الهجرة إلى الشمال، يدير معاركه مع طواحين الهواء ، عقلي يكاد أن يخرج عن قياده مثل قطار كفر الدوار حين تسوق مع الناس صبيحة الجمعة الدامية ، الهذيان والاغتراب سمتان لمن انخلع من جذره، ما قيمة أن يفقد الإنسان هويته ؟
الغربة وحش قاس يسخر مني ، إنهم يشيرون إلي : هذا من ترك أباه يصارع المرض ، ليت أباه لم ينجبه
اللامنتمي .
يا للهول كانت رهن إشارتي هذا ما خيل إلي، سافرنا معا ، لم أشعر أنني أحتاج شيئا ،لكن الحقيقة كنت مثل الحمل الوديع بين يديها .
تذكرت :
التفت حول عنقي ، سلبتني إرادتي ،بل تعلمت ﻷجلها أن أذرف الدموع أمام " الهولوكوست" نسيت اسمي ، من أنا؟
لا أعلم.
كل ما أؤديه أنني " عالم ذرة " انسحقت ذاتي فصرت كائنا يعيش وراء نظارة بيضاء، المجهر هو ما يبين لي الأشياء.
آه تذكرت
كلية العلوم ، أول الدفعة ، الجامعة لا تحتاج معيدين .
كم كانت تلك رصاصة في صدري ، مصلحة مياه الشرب تحتاج علميين ب" أربعين جنيها" راتبا شهريا
هناك في الدراسات العليا ، أعطاني العنوان ، ذهبت وجدتها هناك ، السفارة.
من يومها سلبني عطرها الباريسي.
أعادت تشكيل أولوياتي ، لا أدري أكانت زوجتي ؟ أم تراه كان مثل الخداع الذي عشته أربعين عاما
العيد ما كنت أميزه عن باقي الأيام ، فقط كان يوم " كيبوتس " تسعد ترقص ، كنت تابعها ، كثيرا ما كانت تسافر وتتركني.
كنت أسير أرتدي نظارتي ، ما السبب الذي حملني إلى هذا المكان ؟
رأيته يجلس أمام بناية تشبه المسجد القبلي بقريتي، بشبه أبي .
نعم هو أبي
دنوت منه ، بكيت أمامه ، أمسك بيدي ، مسح على صدري ، ناداني أن أدخل ، تبعته.
قال: توضأ .
بكيت علا نحيبي
جاء إلي بثوب مغربي ، الثوب كان أبيض ، العطر يفوح ، إنها يد أبي ، أين أنت يا أمي ؟
اغتسلت ، أدركت الصلاة ، لم أحسن غير آية واحدة : " الحمد لله رب العالمين "
انتهيت ، بل ابتدأت من جديد ، حاولت أن أن آخذ ولدي ، هربت ، لم أجدهما ، وجدت رسالة على الباب "كنت أعلم أنك يوما ما ستغتسل "
بصقت على الماضي ، بحثت عن وثيقة هويتي ، وجدت اسمي الذي كنت نسيته !
ساعدني ، أقرضني ، بل أمس كان في وداعي حيث أنا هنا اليوم ، أجهد أن ألبس ثوب أبي
تمزق بعض الشيء ، أمسكت بمقبض الباب ، دخلت ، ويا للمفاجأة بطاقتي الورقية كما هي ، كنت قد نسيتها
لا بل كنت ألقيت بها على الأرض ، هي الآن على مكتبي ، وبجوارها رسالة مكتوبة بالحبر الجاف ، خط أبي: " أعلم أنك ستعود يوما ".