يا خَرَاشِي
يستخدم المصريون هذا الأسلوب الندائي وهو نوع تفجُّعٍ ونُدْبَة عندهم يطلقونه تأوُّهًا في المصائب، لكن هل لهذا الأسلوب أصل من الفصحى؟
بعض الناس يُرجع هذا الاستعمال لسبب تاريخي: ويرى أنه نداء للشيخ الخراشي شيخ الجامع الأزهر في القرن الثاني الهجري وشيخ المالكية، وأنهم كانوا يقولون ذلك إذا وقعت عليهم مظلمةٌ؛ وفي ذلك دلالة على قوة الجامع الأزهر في ذلك الوقت ومؤازرته لقضايا العامة.
لكنَّ الأمر عندي يُرجَّحُ أن يكون له أصل في المعنى اللغوي، ومستندي الآتي:
1-جاء في تهذيب اللغة للأزهري(38/7):
((خرش: فِي حَدِيث أبي بكر: ((أنَّهُ أَفَاضَ وَهُوَ يَخْرِشُ بِعِيرَهُ بِمِحِجَنِهِ)) .
قَالَ أَبُو عبيد _ عَن الأصمعيِّ _ الخَرْشُ: أَن يضْرِبه بِمحْجَنِهِ ثمَّ يجتذِبَه إِلَيْهِ _ يُرِيد بذلك تحريكه للإِسْرِاع.
وَهُوَ شَبيه بالْخَدْش..وَقَالَ اللَّيْث: الْخَرش بالأظْفار فِي الجسَدِ كلِّه.
قَالَ: وتَخَارَشَ الكلابُ والسَّنَانير: مَزَّقَ بعضُها بَعْضًا، وخَرَش البَعيرَ بالْمِحْجَنِ: ضربه بطرَفه فِي عُرْض رَقبته أَو فِي جِلده، حَتَّى يَحُتَّ عَنهُ وَبَرَه)).
2-جاء في الصحاح للجوهري(1003/3): ((الخَرْشُ: مِثل الخَدْشِ. وقد خرشه يخرشه، واخترشه)).
3- جاء في مقاييس اللغة لابن فارس(168/2): (((خَرَشَ) الْخَاءُ وَالرَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاخٍ فِي الشَّيْءِ وَخُرُوقٍ...
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَرَشْتُ الشَّيْءَ، إِذَا خَدَشْتَهُ ; وَهُوَ مِنَ الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ إِذَا خُرِشَ نَفَرَ وَرَبَا وَتَخَرَّقَ)).
فمن خلال ثلاثة النقول السالفة ينحصر معنى (الخَرْش) في معنيين متقاربين متلازمين: الضرب والخَدْش، والخرق الناتج من الانتفاخ.
وكذلك حال المفجوع بمصيبة ربما يندب حاله بنوع تفجُّع ممقوت مذموم من لطمه وخَدْشه الوجه بالأظفار، أو ربما ينتفخ جلده وأوداجه حتى يكاد يتخرق فيقول يا خراشي قاصدًا بذلك: يا جرحي، أو يا مصيبتي، أو وامصيبتاه.
والله تعالى أعلى وأعلم.