تعليل التسمية
د. سيد مصطفى أبو طالب
يردد الكثير مقولة (الأسماء لا تعلل)، وهم لا يعرفون أن في هذه المقولة طعنًا في اللغة العربية ونفيًا لحكمة وضعها وإلصاقا للجزافية والعشوائية، ولا شك أن هذا جهل بقدر هذه اللغة العظيمة.
والسطور التالية تؤكد أن اللغة إنما وضعت لحكمة، وأن الأسماء تعلل، لكنا قد نجهل تلك العلة، ولا يعنى هذا نفي الحكمة عن العرب في وضع اللغة.
ولقد فطن علماء العرب القدماء لتلك الحقيقة، فبينوا أن الأسماء كلها لعلة.
قال ابن دريد: واعلمْ أن للعرب مذاهب في تسمية أبنائها: فمنها ما سمَّوه تفاؤلاً على أعدائهم، نحو: غالب، وغَلاّب، وظالم، وعارم، ومُنازِل، ومقاتل، ومُعارِك، وثابت، ونحو ذلك. وسمَّوْا في مثل هذا الباب: مُسْهِرًا، ومُؤَرِّقًا، ومصبِّحًا، ومنبِّهًا، وطارقًا.
ومنها ما تفاءلوا به للأبناء نحو: نائل، ووائل، وناجٍ، ومُدرِك، ودَرَّاك، وسالم، وسُلَيم، ومالك، وعامر، وسعد، وسَعِيد، ومَسْعَدة، وأسعَد، وما أشبه ذلك.
ومنها ما سمِّي بالسِّباع ترهيباً لأعدائهم، نحو: أسد، وليث، وفَرَّاس، وذِئب، وسِيد، وعَمَلَّس، وضِرغام، وما أشبه ذلك.
ومنها ما سمِّي بما غلُظ وخشُن من الشّجَر تفاؤلاً أيضاً نحو: طلحة، وسَمُرة، وسَلَمة، وقَتَادة، وهَراسة، كلُّ ذلك شجرٌ له شوكٌ، وعِضاهٌ.
ومنها ما سمي بما غُلظ من الأرض وخشُن لمسُه وموطِئُه، مثل: حَجَر وحُجَير، وصَخْر وفِهر، وجَندل وجَروَل، وحَزْن وحَزْم [1].
قال ابن الأعرابي: الأسماء كلها لعلة، خصت العرب ما خصت منها. من العلل ما نعلمه، ومنها ما نجهله. قال أبو بكر: يذهب ابن الأعرابي إلى أن مكة سميت مكة؛ لجذب الناس إليها، والبصرة سميت البصرة؛ للحجارة الرخوة بها، والكوفة سميت الكوفة؛ لازدحام الناس بها، من قولهم: تَكَوَّف الرمل تَكَوُّفًا: إذا ركب بعضه بعضا، والإنسان سمى إنسانًا؛ لنسيانه، والبهيمة سميت بهيمة؛ لأنها أبهمت عن العقل والتمييز،.. فإن قال قائل: لأي علة سمى الرجل رجلا، والمرأة امرأة، والموصل موصلا، ودَعْد دَعْدًا؟ قلنا: لعلل علمتها العرب وجهلناها أو بعضها، فلم تَزُل عن العرب حكمة العلم بما لحقنا من غموض العلة، وصعوبة الاستخراج علينا [2].
وتشتمل هذه العبارة على أمور مهمة، منها:
1) حكمة العرب في وضع لغتها، أي أن العرب حينما وضعت الأسماء للمسميات لم تضعها جزافاً أو عشوائياً، بل وضعت لعلة، أي: تعبيرًا عن ملحظ حقيقي في المُسمَّى.
2) قد تغمض هذه العلة فلا تبين لنا، وهذا لا ينفى الحكمة السابقة فلا نرمى اللغة بالجزافية والعشوائية، وقد حسم ابن الأعرابي هذا الأمر بقولة: (فإن قال قائل: لم سُمِّى الرجل رجلاً...؟ قلنا: لعلة علمتها العرب وجعلناها نحن، فلم تزل عن العرب حكمة العلم بما لحقنا من غموض العلة).
3) يحتاج الأمر (فهم العلل) إلى الإلمام التام بمعرفة أحوال أصحاب اللغة، وطريقة معيشتهم، وتكييفيهم للأمور، و كيفية تعاملهم، وقبل هذا وبعده، معرفة لا تتخلف بتعبيرات اللغة المتنوعة.[3]
معنى تعليل التسمية:
هو ذكر علة تسمية الشيء باسمه، أي وجه هذه التسمية "وعلة التسمية هي عين الملحظ الاشتقاقي الذي من أجله سُمِّى الشيء باسمه المعين".[4]
وقد نص علماء الغريب على عدد كبير من علل تسمية الأشياء بأسمائها، حيث جاءت هذه العلل موفورة في كتبهم، وقد قسمتها تبعا للملاحظ التي يمكن أن تُرَد إليها غالبية الأسماء، وبيانها كما يأتي:
تسمية الشيء باسم مادته:
"قد يسمى الشيء باسم مادته الطبيعية التي صنع منها، أو تَكَوَّن منها جِرْمُه".[5]
ولم أجد من الأمثلة ما يوافق هذا التعليل إلا ما ذكره ابن قتيبة، وذلك كما يأتي:
• قال ابن قتيبة في حديث علي رضي الله عنه أنه قال يوم خيبر: (من الرجز).
أنا الذي سَمَّتنِ أُمِّي حَيْدَرَه ْ
ضِرْغام آجَامٍ وكنت قَسْوَرَهْ
كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيه المَنظَرَهْ
أُوفِيهم بالصَّاع كَيْلَ السَّنْدَرَهْ [6]
والسندرة: شجرة تعمل منه القسي والنبل، فالسندرة في الحديث تحتمل أن تكون مِكْيَالا يتخذ من هذه الشجرة، سمي باسمها كما يسمى القوس: نبعة باسم الشجرة التي اتخذت منها.[7].
ذكر ابن قتيبة سبب تسمية المكيال بهذا الاسم، فقد سمي باسم مادته التي صنع منها، فالسندرة: شجرة يُعْمَل منها النبل والقِسِيُّ.
قال الجوهري: والسندري: ضرب من السهام منسوب إلى السندرة وهي شجرة.[8]
وفى اللسان: قال القتيبي ويحتمل أن يكون مكيالًا اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي ومنه قيل سهم سندري.[9]
وعلى ذلك فقد سمى المكيال والسهام والقسي باسم مادتها التي صنعت منها.
_____________________________
[1] الاشتقاق لابن دريد (ص5)، وينظر: الصاحبي لابن فارس (ص109).
[2] المزهر (ا/400).
[3] ينظر: تعليل التسمية في المصباح المنير تأصيل وتحليل (ص19) د. نور حامد الشاذلي. ط:1 - 1416هـ 1995م.
[4] علم الاشتقاق د.جبل (ص68).
[5] تعليل التسمية (ص21).
[6] ديوان على بن أبى طالب رضي الله عنه (ص 53) مطبعة الكرم. 1382هـ -1963م.
[7] غريب ابن قتيبة (2/ 101،102 ).
[8] الصحاح (سدر) (2/680).
[9] اللسان (سندر) (2 /707).
.