لغةُ أهْلِ النَّار .. !!
يشهد الذين شهدوا مؤتمر اللغة العربية ومواكبة العصر بالجامعة الإسلامية أنّها الجامعة الأولى حراكًا ونشاطًا في هذا الباب، وهي شهادة صادقة مصدَّقة، وأجيب هنا عن مسألة أثيرت في يوم الختام، وهي: هل اللّغة العربية لغة أهل الجنّة ؟
الجواب عن ذلك يتَّضح من وجوه، أحدها: ليس بشرط أن لا تكون اللّغة العربية عظيمة إلاّ إذا كانت لغة أهل الجنّة، وإنّما عظمتها في دنيانا هذه على حسب معرفتنا، ولعظمتها بين اللّغات منها عليها شواهد كافية وافية.
الثاني: أهل العلم بالأثر لا يصحّحون من ذلك شيئًا.
الثالث: في الجنّة ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، وقد يمنّ الله على عباده بلسان آخر هو أمتع وأرقّ وأعذب.
الرابع: لا يصحّ الاستدلال بنحو قوله سبحانه: (تحيتهم يوم يلقونه سلام)[الأحزاب: 44]، وقوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام)[يونس: 10]؛ لأنّ هذا إخبارٌ لنا بما يقولون، والله يخبرنا عمّا كان ويكون باللّسان العربي، كإخباره بأقوال الأمم السَّابقة وبكلام الهدهد والنَّمل.
الخامس: يلزم من استدلّ بذلك أن تكون لغة النّارِ هي العربية أيضًا؛ لأنّ الله أخبرنا عن تخاصمهم، وأنّ بعضهم يقول لبعض: (قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم) [ص: 60]. فما فضل العربية إذن إن كانت لغة أصحاب النّار.
السادس: إذا كانت نصوص الوحيين لا تدلّ بمنطوقها ولا بمفهومها على أنّها لغة أهل الجنّة، ولا يصحّ في ذلك خبرٌ، فالجزم في ذلك بشيء نوعٌ من القول بغير علم، ويزيده جهلاً إذا كان تعصبًا للعربيّة. وما أشبهه بتعصّب من قال: إنّ سؤال الملَكين في القبر يكون باللّغة السِّريانيَّة. فإن قيل: فهل يتخاطب أهل الجنّة والنّار بلغة واحدة؟ قلنا: يمكن ذلك ولا يستعذبها أهل النّار، لِما هم فيه من العذاب الأليم، لأنّ ما يمتع الأسماع وتلذّ به الأعين لا يمتع المعذَّب، كما لا يمتع الغريق أن تُسْمِعَه أحلى صَوتٍ، وأعذبَ إيقاع.
وهَنيئًا للعالَم كلِّه بالجامعة الإسلامية.