أدب الرحلات عند العرب

[هاني أبو غليون]

أدب الرحلات عند العرب
الكاتب : هاني أبو غليون

''' أهمية أدب الرحلات ''' :
يعد أدب الرحلات من أهم فنون الأدب العربي بعد الشعر و الرواية , ومن أكثرها خصبا و متعة لأنه امتزج بفن القصص و التقرير العلمي و المذكرات و اليوميات والسيرة الغيرية والذاتية , وكاتبها ينقل مشاهداته مازجا بين التحقيق العلمي والأسطورة والخيال, والرؤية الموضوعية بالرؤية الشخصية الانطباعية وينتحب ما يتفق و منهجه ممزوجه بانفعالاته .

''' المنهج العلمي لأدب الرحلات ''' :
التزم الرحالة المسلمون بالمنهجية العلمية و الدرس الموضوعي و البحث عن الحقائق , كما تحدثوا عن اثر الأماكن في نفوسهم , وقد يعملون خيالهم و يصفون انفعالاتهم و أحاسيسهم , وقلما يظهر للمرأة وجود في حياة الرحالة ,وقد يلتزمون بالتسجيل اليومي للأحداث فيما يشبه المذكرات , ويبرز المكان محورا رئيسيا للأحداث وبطلا للرحلة , واتخذ بعضهم الشيوخ و العلماء عناوين رئيسة للفصول .

''' أنواع & دوافع الرحلات '''
1 ـ رحلة طلب العلم
من دوافع الرحلات طلب العلم واكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ,هادفة إلى التحدي العلمي ورصد ثقافات الأمم ودراسة أخلاقهم وبيان لغتهم و فنونهم و وصف حضارتهم وأدبائهم , مثل :

أ ـ رحلة أبي بكر العربيّ والذي طاف الشام و العراق و الحجاز و مصر ثم عاد للأندلس مسجلا أسماء الشيوخ الذين إلتقاهم في رحلته , والعلماء الذين اخذ عنهم .
ب ـ رحلة ابن خلدون في كتابه " التعريف بان خلدون " وهو شكل من الاعترافات
جـ ـ رحلة الإمام الشافعيّ في طلب الحديث الشريف التي أملاها على الجيزي وسجل فيها ما شاهده من معالم وأثار و ما روي عن الإمام مالك , وهي من أقدم رحلات طلب العلم .
د ـ رحلة أبي بكر البغداديّ في طلب الحديث الشريف ورحلته من بغداد إلى البصرة وعني بذكر من اجتهد في طلب الحديث الواحد , ولم يهتم بذكر الأمكنة و العادات و التقاليد .
هـ ـ رحلة عبد اللطيف البغداديّ وكتابه " الإفادة و الاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر " هدف منها الاتصال بعلماء عصره ومناظرتهم مصورا حالة مصر السياسية والعلمية والاجتماعية في القرن السادس واصفا معالم مصر وامتازت بالدقة العلمية
و ـ رحلة أبي الحسن الهرويّ , في كتابه "الإشارات " واهتم بتصوير المشاهدات وتسجيل الأحداث


2 ـ الرحلة الجغرافية :
لحاجة العرب لمعرفة الطرق و المسالك التي تصل أقاليمها , خاصة " المصدقين " الذين كانوا يجوبون أنحاء الجزيرة العربية وهم من أول الرحالة , وتصف الممالك و البلدان والأقاليم مع بحوث في الطبيعة و المناخ و توزيع السكان , وهي مصادر مهمة لعلماء التاريخ و الأدب و الآثار والاقتصاد والأديان والأساطير . ومنها رحلة ابن خرداذبة في كتابه " المسالك والممالك " و قدامة بن جعفر في كتاب " الخراج "
وهدفت إلى تصوير الصفات المشتركة عند الشعوب العربية مما يجعل منهم امة واحدة ذات حضارة إنسانية خالدة قادرة على هزيمة الغزاة و توحيد الأمة الإسلامية ومنها :

أ ـ رحلة القزويني : في كتابه " أثار البلاد وأخبار العباد " وقد عني بوصف المدن وخواص البلدان وأثرها في ساكنيها , وأثرها في النبات و الحيوان و المعادن وتحدث عن حكايات الأمم السابقة , وسجل الغرائب و القصص الخيالية معتمدا على السرد بأسلوب الوصف والقّصّ
ب ـ رحلة المقدسي : في كتابه : " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم " وهدفت للكشف الجغرافي واعتمد على ما شاهدته , أو سمعه من الثقات , أو ما وجده في الكتب .
جـ ـ رحلة الإدريسي : في كتابه " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " وامتدت رحلته إلى أجزاء من أوروبا وغيرها من الأقاليم وتمكن من صناعة الخرائط الدقيقة ويعد أعظم الجغرافيين
د ـ رحلة المسعودي :"مروج الذهب " وقام برحلات علمية لتدعيم دراسته في التاريخ و الجغرافيا
هـ ـ رحلة ابن حوقل في "المسالك والممالك " واستمرت 30 سنة دراسة البلدان ومعرفة الطرق التجارية
3 ـ الرحلة الدينية :
خاصة رحلة الحج والتي اكتسبت أهمية كبيرة لكثرة الذين ارتحلوا طلبا لرضوان الله زيارة الأماكن المقدسة , مسجلين في رحلاتهم مشاهداتهم من الأماكن المقدسة و البلاد التي مروا بها وما لقوا من علماء و عادات الشعوب وممارساتهم التراثية و حضارة تلك الأمم من لغتهم و مطعمهم و وألوان طباعهم ومن أشهرها :
أ ـ رحلة ابن جبير " تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار " وسبب الرحلى ان أبا سعيد ابن عبد المؤمن أمير الموحدين اجبر ابن جبير على شرب النبيذ فأزمع ابن جبير أن يحج تكفيرا عن ذنبه ، فنطلق من غرناطة سنة 579هـ عن طريق البحر الى سبتة وصقلية فالإسكندرية و القاهرة و وصل الى ميناء عيذاب، حيث استقل سفينة أوصلته إلى جدة ، ووصف ما لاقاه من أهوال البحر الأحمر الذي كاد يعصف بسفينته، وحدث عن اخذ الولاة المكوس ( الضرائب ) من حجاج المغرب بالرغم من اعفلء صلاح الدين حجاج المغرب من الضرائب , و وصف المسجد الحرام ووصف مراسم الدخول إليها، وتفاصيل مشاهداته فيها. وأقام بمكة ثمانية أشهر كما رحل للمدينة المنورة و مكث فيها فترة قصيرة و وصف اهم معالمها ثم انتقل الى الشام أثناء محاصرة صلاح الدين لحصن الكرك، وأقام في دمشق وكتب نبذة مطولة عن جامعها وقلعتها وعاداتها وأخبار صلاح الدين فيها. وترك دمشق إلى عكا وهي في يد الصليبيين، لركوب البحر مع تجار النصارى، إلى صقلية. ووصف إمارات الصليبيين في الساحل الشامي، وأسرى المسلمين في أيديهم . ولقد اعتمد ابن جزي كاتب رحلة ابن بطوطة على رحلة ابن جبير .

ب ـ رحلة ابن بطوطة في كتابه " تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" هو كتاب يصف رحلة ابن بطوطة ، عندما خرج من طنجة قاصدا مكة للحج وعمره 22 سنة , وزار عددا كبيرا من المدن و الاقاليم وتتحدث عن أهلها وحكامها وعلمها، ويصف الألبسة بألوانها وأشكالها وحيويتها ودلالتها، ولا ينسى الأطعمة وأنواعها وطريقة صناعتها، واستغرقت رحلته 30 عاما , أمر السلطان أبو عنان المريني بتدوين هذه الرحلة واختار ابن جزي الكلبي ليكتبها باسلوبه الادبي الرائع , فلم تكتب بغة ابن بطوطة بل املى الرحلة على ابن جزي الذي صاغها باسلوبه الخاص كما نقل من رحلة ابن جبير التي تسبقها بقرنين ، وعيب على اب بطوطة اهتمامة بالكرامات عند الصوفية و تسجيله حتى لو وصلت لحد الخيال , وكان إملاؤها بمدينة فاس سنة 756 هـ.

ج ـ رحلة التيجاني خرج من المغرب العربي قاصد مكة للحج فسجل ما شاهده من البلاد واصفا أحوالها وطرفها ومسافاتها و آثارها و مساجدها و المدارس و العيون و الآبار و العلماء و الفقهاء , كما كان لها هدف سياسي وهو استرجاع جزيرة جربة للمسلمين .

4 ـ الرحلة التجارية :
فقد وصل التجار للهند و سيلان و اندونيسيا و الفلبين والصين وشواطئ الإفريقية . ومن أشهر الرحلات التجارية البحرية في المحيط الهندي رحلة التاجر سليمان السيرافي في منتصف القرن الثالث , ورحلة ياقوت الحموي في مؤلفه " معجم البلدان " .

5 ـ الرحلات السياسية :
وهي رحلات أملتها دوافع سياسية أو مهام السياسية أو رغبة في الاستطلاع لخدمة صاحب القرار كرحلة سلام الترجمان الذي كلفه الواثق بالسفر لحصون القوقاز وقلاع الصين وسورها للاطلاع عليها وعرفة خواصها .

المنهج العلمي لأدب الرحلات :

التزم الرحالة المسلمون بالمنهجية العلمية و الدرس الموضوعي و البحث عن الحقائق , كما تحدثوا عن اثر الأماكن في نفوسهم , وقد يعملون خيالهم و يصفون انفعالاتهم و أحاسيسهم , وقلما يظهر للمرأة وجود في حياة الرحالة ,وقد يلتزمون بالتسجيل اليومي للأحداث فيما يشبه المذكرات , ويبرز المكان محورا رئيسيا للأحداث وبطلا للرحلة , واتخذ بعضهم الشيوخ و العلماء عناوين رئيسة للفصول .

علاقة أدب الرحلات بالفنون الأدبية الأخرى
و أدب الرحلات منبثق من الترجمة الذاتية , فكثيرا ما يمزح المؤلف ما بين الحديث عن مشاهداته بالحديث عن نفسه ,
وتشترك مع الرواية في الانتقال من لحظة الكتابة إلى لحظة التجربة , وكذلك أن نظام السرد المتسلسل زمنيا , ولكنه في الرواية و القصة يلبس الخيال وفي الرحلة يلبس الحقائق
وتشترك مع السيرة الذاتية في أن بطلها يكون المؤلف,حتى المكان والزمان يعبر عن الذات وفيها تسلسل منطقي , وصدق تاريخي , الصراع , الشخوص , الإفادة من الخيال المقيد بالحقيقة , و البوح , وهي أداة تفسير , ونقل التجربة , و التعبير عن رؤية المؤلف للكون
وتشترك مع اليوميات والمذكرات في بطل الرحلة والحدث والزمن والعقدة والتشويق والحل والحوار