الدكتور وجيه يعقوب السيد فى حواره للمصريون
الدكتور وجيه يعقوب السيد فى حواره للمصريون 27 مارس 2016 - 01:19 م
ومازلنا نهرع إلى دوحة كل أصيل.. كل أديب حقيقى معطاء.. يوثر فى أمته ويكون مهموماً بأفراحها وأتراحها كل الوقت ..أديب لا يتخذ الأدب سلماً لتحقيق أطماعه الخاصة وأغراضه والانتصار لأصحاب أيدلوجيته، يقربهم ويغدق على الجوائز والمناصب..أديب لا يحج إلى الطغاة والظالمين.. يزين لهم سوء أعمالهم، ولكن الأديب الحقيقى الذى يستقل عن أى سلطة ليراقب أعمالها ويشرح أفعالها ولا يعيقه أى مؤثر عن تحقيق دوره المطلوب منه تجاه أمته ...
وسوف نلتقى فى التالية من خلال حوار مع أستاذ تنطبق عليه هذه الشروط السالفة الذكر ..إنه الأستاذ الدكتور وجيه يعقوب السيد، أستاذ النقد الأدبى الحديث فى كلية الألسن جامعة عين شمس، ولسوف تستغرب عزيزى القارىء الكريم: (أدب عربى وقسم لغة عربية فى كلية الألسن التى تهتم باللغات الغربية وآدابها وأعلامها)؟!!! ..أقول: أن هناك قسم للغة العربية فى هذه الكلية العريقة، ودرس به الأعلام الذين تخرجوا من دار العلوم أى "أنه يجمع بين مناهج المدرستين الكبيرتين الآداب ودار العلوم، فالذين أسسوا قسم اللغة العربية هم من أبناء دار العلوم من أمثال: الدكتور عبد السميع محمد أحمد، والدكتور محمد عبد الرحمن شعيب، والدكتور محمد عبد الحميد سالم، والدكتور جابر قميحة، وغيرهم، ومن أبناء كليات الآداب من أمثال الدكتور عوني عبد الرؤوف، والدكتور عبد الله خورشيد، لذلك فإن طالب الألسن يجمع بين النزعة المحافظة والتجديد".
ولد الدكتور وجيه يعقوب فى السادس من أغسطس عام 1968، وتخرج فى كلية الألسن قسم اللغة العربية عام 1990 بتقدير عام جيد جداً، وحصل على درجة الماجستير في الأدب والنقد عن موضوع "استلهام التراث في روايات جمال الغيطاني"، كلية الألسن، جامعة عين شمس، عام 1995م، بتقدير ممتاز، وعلى درجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث عن موضوع "الرواية المصرية في ضوء المناهج النقدية الحديثة"، من كلية الألسن، جامعة عين شمس، عام 1999م، بتقدير مرتبة الشرف الأولى.
له العديد من الكتب النقدية منها: الرواية والتراث العربي، هيئة قصور الثقافة، مصر، 1997م، و"دراسة في رواية ثنائية الحب والغضب لعلي أبو الريش"، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الإماراتية، ديسمبر 1998م، و"من قضايا الشعر الجاهلي"، مكتبة الآداب، القاهرة، 2000م، و"محمد حسن عبد الله ونقد الرواية"، كتاب تذكاري، دار قباء، 2000م، و"الرؤية الإسلامية في شعر علية الجعار"، مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي بمصر، و"خصائص الأدب في ضوء نظرية النقد الإسلامي"، مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي بمصر، 2000م، و"الرواية المصرية في ضوء المناهج النقدية الحديثة"، مكتبة الآداب، القاهرة، 2004م، ومناهج النقد الروائي"، مكتبة آفاق، الكويت، 2013م،."سرديات الرواية العربية"، مكتبة آفاق، الكويت، 2014م، و"الرواية والتراث العربي"، مكتبة آفاق، الكويت، 2014م، و"من قضايا الشعر الجاهلي"، مكتبة آفاق، الكويت، ط 2، 2014م، و"يعقوب يوسف الغنيم وأدب الأطفال"، مؤتمر يوم الأديب الكويتي، قسم اللغة العربية، جامعة الكويت،2010م...علاوة على الأبحاث المنشورة فى الدوريات والمجلات الأدبية فى مصر والدول العربية.
ولسوف نلتقيه فى الحوار التالى نناقش معه بعض القضايا الأدبية والفكرية وهموم النقد الأدبى وإمكانية وجود نظرية نقدية أدبية عربية تنبع من تراثنا وهو سؤال أوجهه لجميع من حاورتهم، وأدب الطفل كما تطرقنا إلى ذكرياته الأدبية والفكرية وعلاقاته بأعلام عصره وأساتذته، وإلى نص الحوار:
- بداية حدثنا عن النشأة وكيف كانت للقدوة أثرها فى تلك النشأة؟
• بدأت علاقتي بالقراءة قبل التحاقي بالجامعة، وذلك من خلال المعارض التي كانت تقام بالمدرسة الثانوية مرة أو مرتين على الأقل في العام. كانت قراءة عامة وغير موجهة يغلب عليها الطابع الديني في البداية ثم تنوعت بعد ذلك، أذكر أن أحد الزملاء هو الذي لفت نظري إلى كتابات الدكتور مصطفى محمود، ومنذ ذلك الوقت فتنت بكتاباته وأسلوبه، وظلت أفكاره وطريقته في الكتابة تمثلان لي نموذجا ومعيارا للكتابة المثالية حتى وقت قريب، ومن أهم الكتب التي قرأتها له في ذلك الوقت: "القرآن محاولة لفهم عصري"، وهو نمط مختلف في التفكير جدير بالمتابعة. ومن المفارقات العجيبة أنني ظللت أحلم بلقاء الكاتب الكبير والمفكر العظيم حتى تم لي ذلك بواسطة الحاجة زهيرة العبد، وأجريت معه لقاء مطولا عام 1996م نشر في مجلة "العالم الإسلامي" بمكة المكرمة عندما كنت أعمل بالصحافة. كما فتنت بأسلوب الدكتور محمد حسين هيكل وطريقته القصصية المشوقة، خاصة كتابه المهم: "حياة محمد"، وأذكر أنني بسبب ولعي بهذا الكتاب كنت أقتني منه نسخا كثيرة وطبعات مختلفة، وأقوم بإهدائه لأصدقائي المقربين، ولم يعجبني تعريض الدكتور رمضان البوطي به في مقدمة كتابه: "فقه السيرة النبوية"، حتى أنه وصل به الأمر إلى حد اتهامه بتكذيب الوحي والمعجزات، والتعامل مع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم على أنها سيرة إنسان عادي، لكنني على العكس من الدكتور البوطي رأيت أن الدكتور هيكل كان حريصا على إظهار الجانب الإنساني العظيم في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو عظيم حتى قبل أن ينزل عليه الوحي، كما أنه كان يريد أن يقدم النموذج المحمدي البشري للقارئ العربي والغربي، فكان من الأنسب أن يقدمه على هذا النحو دون أن يكون في ذلك إنكار للوحي ولا للنبوة. وكذلك تعلقت جدا بكتابات الأستاذ خالد محمد خالد، خاصة كتابيه: "رجال حول الرسول"، و"خلفاء الرسول"، كنت أعايش من خلال ترجماته الشخصيات معايشة حقيقية، فلغته لغة وصفية ذات طابع وجداني من طراز فريد، تستطيع أن تنقل لك الأحداث كما لو كنت تراها وتخالط أصحابها، وتعلقت كذلك بكتابات المرحوم سيد قطب وشخصيته وتحولاته وقناعاته، وأرى أن هذا المفكر الكبير قد ظلم ظلما كبيرا بسبب الولاءات والصراعات السياسية والأيديولوجية، وهو صاحب فكر وصاحب مشروع سواء اتفقت أو اختلفت معه، فيجب أن تنظر في مجمل أعماله وآرائه، فلا يوجد إنسان كامل ومعصوم، ولا توجد أفكار غير قابلة للنقاش والأخذ والرد، كان سيد قطب من أوائل من كتبوا عن المبدع الكبير نجيب محفوظ، وتنبأ بوصوله للعالمية في وقت مبكر، وقد أثر في جيل كامل من النقاد الشباب على رأسهم الأستاذ أنور المعداوي، وقد ذكر ذلك نجيب محفوظ نفسه ورجاء النقاش، بل حتى غالي شكري وهو من غلاة النقاد أصحاب الرؤية الأيديولوجية المعروفة، ولا أنسى هنا مداومتي على استماع حلقات مولانا الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله، فقد كانت كنزا حقيقيا يحوي الدقائق اللغوية ويفيض بالمعاني الإنسانية والصوفية، ويجمع بين البساطة والعمق، وعلى الرغم من اعتماده على التراث الكبير الذي تركه المفسرون العظام من أمثال: الفخر الرازي، والزمخشري، وسيد قطب، فقد كان للرجل لمساته واجتهاداته التي لا تخفى. أما في الجامعة فكان الأمر مختلفا، حيث انفتحت أمامي طاقات أخرى للقراءة بحكم التخصص بطبيعة الحال. بدأت في التعرف على كتابات نجيب محفوظ، ومحمود درويش، وطه حسين، وأحمد مطر، وبعد تعييني معيدا بدأت أفكر في اختيار موضوعاتي للماجستير والدكتوراه، وكنت حريصا على اختيارها بنفسي، كانت القضايا الخلافية مثل آراء طه حسين في الشعر الجاهلي وتقييم النقاد لرواية "أولاد حارتنا" تستأثر بجانب كبير من اهتمامي، وكنت أضع نفسي دائما موضع الحكم الذي يحاول أن يتبنى وجهة نظر محايدة ويستمع للطرفين..
* هناك أمنيات يتمناها الإنسان فى مقتبل حياته، ماهى تلك الأمنيات، وما الذى لم يتحقق بعد؟
- في مقتبل حياتنا جميعا تكون لنا أمنيات وأحلام كثيرة، بعضها قد يتحقق وبعضها الآخر نكتشف مع الأيام أنه لم يكن يناسبنا، وقد تحقق لي من تلك الطموحات الكثير بفضل الله تعالى وكرمه، في البداية حلمت بالعمل في الصحافة فيسر الله لي ذلك وكتبت في مجلات وصحف مصرية وعربية كثيرة، وحلمت بالعمل في الجامعة واستكمال مسيرتي الأكاديمية وقد يسر الله لي ذلك، لكن الباحث الجاد يجب ألا تكون لطموحاته حدود، ويجب ألا يتوقف عن البحث وطرح الأسئلة، عليه أن يقر دائما بالتقصير والنقص، يجب أن يكون شعوره بالرضا عما أنجزه وقتيا حتى يكتسب الثقة والتوازن في أثناء الكتابة والتأليف، لكن بعد أن يفرغ من عملية الكتابة، عليه أن يعيد النظر فيما قدم، وأن يتهم نفسه بالتقصير ويكون أول الناقدين لعمله. على المستوى الشخصي أحلم بأن أسهم في تطوير حقل الدراسات النقدية بجهدي المتواضع، أرجو أن يصبح النقد الأدبي في متناول الجميع، لماذا لا يتبنى النقاد مشروع تبسيط لغة النقد مع الحفاظ على عمقه ومنهجيته؟ لماذا لا نعرف الناس بأهمية النقد في حياتنا؟ أحزن كثيرا عندما ينفق الباحث سنوات من عمره لكتابة بحث علمي جاد ثم لا يقرأه في النهاية سوى عدد محدود جدا لسبب أو لآخر، أرجو أن يتاح لي ولغيري القيام أو الإسهام بطريقة أو بأخرى في تبسيط لغة النقد الأدبي، وتقديمه للناس في صورة مشوقة ومحببة، ولا شك أننا في أمس الحاجة إلى نشر الوعي وتشكيل العقل الناقد، الذي لا يقبل بالمسلمات دون مناقشة. أطمح أيضا إلى العودة إلى الكتابة للطفل من جديد، فقد قدمت مجموعات قصصية للطفل في موضوعات شتى قبل نحو عشرين عاما، ثم انشغلت عن ذلك بالبحث العلمي وبسبب السفر، وأحسب أن هناك العديد من الأفكار التي يمكن أن تقدم في هذا المجال. هناك أيضا موضوعات أدبية ونقدية مهمة تحتاج إلى أن تسليط الضوء عليها، ودراستها في ضوء المناهج النقدية الحديثة، أرجو أن يتاح لي الوقت لدراستها في المستقبل القريب بإذن الله تعالى.
* ذكرياتك عن الأساتذة ورفاق دربك خلال دراستك فى الجامعة وفى حياتك الأدبية فيما بعد؟
- عندما التحقت بكلية الألسن لم أكن أدري أن بها قسما للغة العربية، ولا شك أن هناك الكثيرين لم يسمعوا بوجود قسم للغة العربية بكلية الألسن حتى الآن، وحين تحدثهم عن قسم اللغة العربية بكلية الألسن يبدون استغرابهم ودهشتهم، ولا أعرف السبب في ذلك ربما لعزوف الطلاب عن دراسة اللغة العربية أو بسبب تقصير الإعلام أو بسبب تقصيرنا نحن في التعريف بالقسم والدعاية له. وأنا أعتبر قسم اللغة العربية بكلية الألسن قسما فريدا ومميزا لسببين؛ الأول: أنه يجمع بين مناهج المدرستين الكبيرتين الآداب ودار العلوم، فالذين أسسوا قسم اللغة العربية هم من أبناء دار العلوم من أمثال الدكتور عبد السميع محمد أحمد والدكتور محمد عبد الرحمن شعيب والدكتور محمد عبد الحميد سالم والدكتور جابر قميحة وغيرهم، ومن أبناء كليات الآداب من أمثال الدكتور عوني عبد الرؤوف والدكتور عبد الله خورشيد، لذلك فإن طالب الألسن يجمع بين النزعة المحافظة والتجديد. وأنا هنا بالطبع لا أقول بتفوق مدرسة على أخرى ولا أفاضل بين كلية وأخرى، ولكني مؤمن بأن لكل مؤسسة علمية شخصيتها وبصمتها الخاصة بها. أما السبب الآخر، فيرجع إلى أن أساتذة القسم يتعاملون مع طلاب يدرسون لغات أجنبية مختلفة، وهو ما يجعلهم حريصين على اختيار نصوص وموضوعات ذات طبيعة خاصة تناسب هذه النوعية من الطلاب وتنفتح على الثقافات المختلفة. قسم اللغة العربية بكلية الألسن من الأقسام المهمة، وله إسهاماته وله شخصيته، وأصبح هناك عدد لا بأس به من أبنائه وخريجيه لهم حضورهم وتواجدهم في المحافل المهمة، أذكر منهم على سبيل المثال: الدكتور سعيد بحيري، والدكتور محمد العبد، والدكتور محمد الوزير، والدكتور سيد قطب، والدكتور عبد المعطي صالح، والدكتورة نجوى عمر، والدكتورة إيمان السعيد، والدكتور عبد الرحمن عبد السلام محمود، والدكتور أحمد يحيى، والدكتور أحمد رومية، وغيرهم كثير. ونظرا لأن عدد الطلاب الدارسين للغة العربية بكلية الألسن قليل نسبيا، فإن هذا يمكنهم من الاستفادة بشكل أكبر من الأساتذة، ويسمح بالمناقشة وإعداد البحوث بشكل أفضل. لا أنسى وأنا طالب عندما كان يدرس لنا الدكتور رجاء عبد المنعم جبر مادة النقد الأدبي القديم، وهو واحد من أبرع الأساتذة والنقاد وإن لم يحظ بما يستحق من شهرة، كان يدرس لنا كتاب: "معالم على طريق النقد"، والكتاب عبارة عن دراسة للنقاد العرب القدامى ودورهم في تأسيس النقد الموضوعي، وكانت مقدمة الكتاب عبارة عن شرح لقصيدة لأحمد شوقي وفق مناهج نقدية مختلفة على ما أذكر، أراد الدكتور جبر أن يدربنا على كيفية التعامل مع النصوص الشعرية، وبعد انتهاء المحاضرة سألت أستاذي عليه رحمة الله: أليس من الأفضل لو كانت تلك القصيدة لشاعر قديم بدلا من شوقي حتى تتناسب مع موضوع الكتاب وهو عن النقد القديم؟ كنت أعرض السؤال وأنا خائف من مضايقته أو إزعاجه بسؤالي، لكنه أبدى سعادته وإعجابه بالسؤال وقال: معك كل الحق، لو أتيح لي أن أقدم طبعة جديدة من الكتاب سأختار قصيدة أخرى. كان الدكتور عبد الله خورشيد مدرسة حقيقية ترك أثرا كبيرا فينا جميعا بعلمه وأخلاقه وزهده وتواضعه، كان لا يغيب عن محاضرة، وكانت محاضرة أشبه بندوة علمية يحضر فيها الطلاب والمعيدون وكان لا يدرس بطريقة تقليدية وإنما يطرح علينا الأسئلة ويطلب منا الإجابة عنها بعد البحث، على أن أهم أثر تركه هو تواضعه وزهده في المناصب، أذكر مرة أن الدكتور رجاء جبر تردد في ضبط كلمة فقلت له لقد سمعتها من الدكتور خورشيد على هذا النحو فقال إن كان نطقها كذلك فهو حجة ولا أراجع خلفه، رحم الله الجميع.