الكاتب: أ.د. مُحَمَّد يَعْقُوب تُرْكِسْتَانِيّ.
فِي الْعَرَبِيَّةِ طَائِفَةٌ مِّنَ الْأَلْفَاظِ تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ؛ دُونَ الْخَيْرِ، وَتَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. وَقَدَ عَقَدَ لَهَا (ابْنُ فَارِسٍ) فِي (الصَّاحِبِيِّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ وَسُنَنِ الْعَرَبِ فِي كَلَامِهَا) بَابًا بِرَأْسِهِ، وَنَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّ لِلْعَرَبِ كَلَامًا بِأَلْفَاظٍ تَخْتَصُّ بِهِ مَعَانٍ لَّا يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى غَيْرِهَا؛ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْحُسْنِ وَغَيْرِهِ.
مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَفْظُ (التَّهَافُتِ) فَهُوَ لَفْظٌ لَّم يَرِدْ - فِي كَلَامِ الْعَرَبِ – إِلَّا فِي الشَّرِّ. وَمَعْنَاهُ: التَّسَاقُطُ فِي غَيْرِ الْخَيْرِ.
قَالَ (أَبُو عُبَيْدٍ): التَّهَافُتُ لَمْ نَسْمَعْهُ إِلَّا فِي الشَّرِّ؛ وَهُوَ أَوْلَى لَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: (يَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ) أَيْ: يَتَسَاقَطُونَ. وَمِنْهُ: تَهَافَتَ الْفَرَاشُ فِي النَّارِ. وَتَهَافتَ الْقَوْمُ؛ إذَا تَسَاقَطُوا مَوْتَى. وَتَهَافَتَ الْجِدَارُ أَوِ الْبَيْتُ؛ إِذَا تَسَاقَطَ وَبَلِيَ. ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ شَيءٍ انخَفَضَ وَاتَّضَعَ: هَفَتَ وَانْهفَتَ وَتَهَافَتَ. فَقِيلَ: كَلَامٌ هَفْتٌ؛ إِذَا كَثُرَ بِلَا رَوِيَّةٍ فِيهِ. وَتَهَافَتَتِ الْآرَاءُ؛ إِذَا نَقَضَ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَمِنْهُ: الْمَهْفُوتُ: الْمُتَحَيِّرُ. وَالْهَفَاتُ: الْأَحْمَقُ. وَالْهَفْتُ: الْحُمْقُ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إلَى: الْهَفْتِ؛ وَهُوَ: السُّقُوطُ. مِنْ: هَفَتَ يَهْفِتُ هَفْتًا؛ إِذَا سَقَطَ؛ كَمَا يَهْفِتُ الثَّلْجُ وَالرَّذَاذُ، قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ. وَهَفَتَ الشَّىءُ هَفْتًا؛ إِذَا تَطَايَرَ؛ لِخِفَّتِهِ. وَحَبٌّ هَفُوتٌ؛ إِذَا صَارَ إِلَى أَسْفَلِ الْقِدْرِ، وَانتَفَخَ سَرِيعًا. وَالْهَفِيتَةُ مِنَ النَّاسِ: الَّذِينَ أَقْحَمَتْهُمُ السَّنَةُ الَّتِي طَرَأَ عَلَيْهَا الْجَدْبُ؛ فَعَاشُوا فِي قَحْطٍ؛ كَأَنَّهُمْ تَسَاقَطُوا مِنَ الْجُوعِ.
وَعَلَيْهِ؛ فَلَيْسَ صَوَابًا اسْتِعْمَالُ بَعضِنَا – الْيَوْمَ – هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ؛ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
لَيْسَ صَوَابًا قَوْلُ بَعْضِنَا – الْيَوْمَ – مَثَلًا: (لَقَد تَهَافَتَ النَّاسُ – الْيَوْمَ – عَلَى الْعِلْمِ) أَوْ (تَهَافَتَ النَّشْءُ عَلَى مَدَارِسِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ)، إِنَّمَا الصَّوَابُ مَثَلًا: (لَقَد تَهَافَتَ النَّاسُ – الْيَوْمَ – عَلَى الْمَظَاهِرِ) أَوْ (تَهَافَتُوا عَلَى مُشَاهَدَةِ الْبَرَامِجِ التِّلْفَازِيَّةِ الْهَابِطَةِ)؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَايَرِدُ إِلَّا فِي غَيْرِ الْخَيْرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَايَجُوزُ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا وُضِعَ خَاصًّا لِّمَعْنًى خَاصٍّ.
وَيُنظَرُ: الصَّاحِبِيُّ؛ الصَّحِيفَةُ الرَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ. وَلِسَانُ الْعَرَبِ؛ الْجُزْءُ الثَّانِي، الصَّحِيفَةُ الرَّابِعَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَالْقَامُوسُ الْمُحِيطُ؛ الصَّحِيفَةُ الثَّامِنَةُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ.